ملخص الجهاز:
وهذا التراث السياسي العنفي لاحظناه لدى كلّ تلك النظم القومية والاشتراكية والإسلامية، التي اختلفت في كلّ شيء، واتّفقت ـ بالرغم من تناقضاتها الذاتية والموضوعية ـ على تبنّي فكر التطرّف، ومنهج العنف والقوة والبطش؛ للوصول إلى السلطة، والبقاء في الحكم بالقوّة، بعد فرض أيديولوجياتها وأفكارها العبثية المدمّرة على الآخرين، مستنيرين في ذلك بتجارب العسكرة الشيوعية «الستالينية»، و«الناصرية» المخابراتية، وغيرها من مواريث دول القمع والاستبداد العربي والعالمي الحديثة أو التاريخية.
حيث إن نموذج الدولة المدنية الديمقراطية الحقيقية يحتمل الاختلاف والتعدُّد في الرؤى والأفكار، وكذلك يحتمل النزاع والتخاصم والسجال السياسي، ويكفل حلّ تلك المنازعات والخصومات بالطريقة السلمية الحضارية، البعيدة عن العنف والقوة، رمزياً ومعنوياً كان هذا العنف أم مادياً عضوياً، كما يكفل ـ من خلال القانون والدستور ـ إيجاد مخارج طبيعية سلمية لمواقع وأماكن الاحتقانات والتناقضات المجتمعية ذات الأبعاد الطائفية والإثنية والأقوامية تحت مظلّة وفضاء الحكم الصالح الديمقراطي التعدُّدي، بما يمنع اشتعال بذور العنف الموجودة أساساً، ويضمن عدم الانجرار وراء الاقتتالات الطائفية والنزاعات الأهلية، التي ما تزال ناراً تحت رماد أزمات مجتمعاتنا العربية حتّى الآن.
المبحث الرابع: التأصيل «الشرعي» لثقافة التطرُّف لدى أتباع الدين الإسلامي، «فكرة الجهاد» أنموذجاً تعود الأسس التأصيلية والبنى التنظيرية الأولى التي يقوم عليها مجمل الخطاب والفكر السلفي الجهادي المتطرّف الحديث إلى تفسيرات وشروحات الإسلامي المصري «سيد قطب»، الذي يمكن عدّه الأب الروحي ـ الفكري لتنظيمات السلفية الجهادية والجماعات الإسلاموية السياسية الحديثة، التي ظهرت منذ منتصف القرن الماضي وفي أغلب البلدان العربية، مع عدم نسياننا ـ بطبيعة الحال ـ أن مرتكزات فكر وشروحات وتأويلات سيد قطب نفسه للنص الديني تمتدّ موغلةً في التاريخ، لتصل إلى ابن تيمية وغيره من رموز الفكر الإسلامي التاريخي المتشدّد الرافض للآخر.