ملخص الجهاز:
وهو التباسٌ ينهض بداهةً، حتّى عند أولئك الذين لا يملكون معرفة كافية بالكيفية التي تطوّر من خلالها مفهوم المواطنة في السياق الفكري ـ السياسي للغرب الحديث، في خضمّ نشوء الدولة القومية وترسّخها أولاً، ثم في خضم انتصار مفهوم ليبرالي متوسّع لمعنى المواطنة، استناداً إلى فكرة الفضاء المشترك كوسيط للعلاقة بين الدولة وذوات فاعلة مختلفة، تتشارك اجتماعاً سياسياً موحّداً يقوم على الاعتراف( 339 ).
4ـ الفضاء العمومي، وفكّ الاشتباك بين العامّ والخاصّ لقد أدرك المنظِّرون السياسيون الغربيون أن أوّل ما ينبغي الاعتراف به قبل كل تنظير في السياسي هو أن أحد أكثر أشكال التهوّي والاختلاف رسوخاً هو التهوّي الديني، أو الاختلافات الدينية والعقدية، حتّى في فضاءٍ مفتوح حُرٍّ وليبرالي، كما هو حال مجتمع المواطنة الكاملة، وأن أيّ محاولةٍ لتأسيس جماعة سياسية بالمعنى العصري للكلمة على أساسٍ جامع تفترض إعادة التكفير في الديني أوّلاً، ثم في الآلية التي تقلِّل فرص التوتُّر بينه وبين العامّ، أعني بين الانتماء الذي يولِّده الوجود في وحدة سياسية جامعة وبين الانتماء إلى هويّات متنوّعة لجماعات، بين تعدُّد الانتماء إلى الخاصّ ووحدة الانتماء إلى إجماعٍ سياسي.
يضعنا استحضار المكون الديني للثقافة أمام تحدٍّ فكري (إذن) وأخلاقي، بؤرته تبين الوجه الذي به تحصل الغيرية الدينية، ذلك أنه لما كان الدين عنصر تمايز ثقافي وفرز فإن قيام فضاءٍ عمومي قوامه التدافع العلني لتقرير ما يكون خيراً للحياة العامة للأفراد يتطلَّب قيام عقلانية خاصة تستطيع تحقيق الاعتراف أوّلاً بهذا الانتماء على قاعدة العدالة، وثانياً بحمايته من أيّ انجراح يفضي إلى التعويض عبر الإعلاء من شأن الهوية الخاصة بخلق تهويمات.