ملخص الجهاز:
وحيث إن الاكتفاء بدراسة النصوص الأصولية البَحْتة في اكتشاف واستنباط مبدأ ظهور مسائل علم الأصول يُبعد الباحثين والمحققين عن الحقائق القائمة في تبلور مختلف المدارس الأصولية فقد وجدوا ضرورةً ماسّة لتعقّب مسار التطبيق الفقهي وطريقة توظيف المسائل الأصولية من قبلهم، الأمر الذي دعا أصحاب هذا المقال إلى البحث في آراء الفقهاء حول مسألة «مخالفة العامة» ـ في إطار التقية، ضمن المواجهة المحتدمة بين الشيعة ومخالفيهم ـ؛ بغية تجسيد قوّة وضعف إقبالهم على هذا الموضوع على طول التاريخ.
وفي الحقيقة يمكن القول: إن اللبنة الأولى من صرح الفقه المقارن قد تأسَّست على يدَيْه()، رغم أنه في هذا الشأن لا يشير إلى الحمل على التقية، واكتفى بالإشارة إلى موارد الاختلاف بين الشيعة والسنة، واعتبر حتى روايات التقية ـ بسبب شذوذها ـ منحصرة بمرويات أهل السنّة فقط، وبذلك أعرب بشكلٍ ما عن مخالفته في ردّ المرجِّحية بمخالفة العامّة().
ولا بُدَّ لنا من أن نضيف هنا أن الاستناد إلى الحمل على التقية في أغلب هذه الموارد إنما كان بوصفه هو الطريق الوحيد للجمع بين الروايات المتعارضة، حيث تمّ التعبير عنها أحياناً بموافقة الرواية لمذهب «جميع العامّة»، أو «أكثر العامّة»، أو «كثير من العامّة»، أو «بعض العامّة»؛ وأحياناً بشكل مطلق، بمعنى الموافقة مع «مذهب» أو «مذاهب» العامّة، وفي بعض الموارد التعبير بـ «مَنْ خالف الإمامية»، و«مَنْ خالفناه»، أو «المخالفين» وما إلى ذلك من أصناف المتّقى منهم.
رؤية الفقه المتأخِّر لمسألة مخالفة العامة وفي بداية المرحلة المنتسبة إلى فقه المتأخّرين نجد العلاّمة الحلّي(726هـ) ـ من مشاهير الفقهاء في القرن الثامن الهجري ـ في كتبه الثلاثة، وهي: «مختلف الشيعة»()، و«منتهى المطلب»()، و«تذكرة الفقهاء»()، لم يُبْدِ اهتماماً ملحوظاً بهذا المرجّح، وكان جلّ استناده إلى كلام الشيخ الطوسي، بل وفي الكثير من الموارد أبدى رأيه بعد نقل كلام الشيخ في الحمل على التقية، وربما كشف في الأثناء عن تحفُّظ العلامة تجاه هذا المرجّح.