ملخص الجهاز:
المبحث الثاني: أدلّة القائلين بفكرة النزول الدفعي استند أصحاب هذا الرأي إلى مجموعة من الأدلّة والشواهد القرآنية والروائيّة والتاريخيّة، بعضها متفق عليها بينهم، وبعضها انفرد بها قسمٌ منهم وستعرض هنا بنحوٍ عامٍ بدون الإشارة إلى ذلك، وهي كالتالي: الدليل الأوّل: الآيات التي تشير إلى نزول القرآن في شهر رمضان أو ليلة القدر: من قبيل قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}( 405 ), {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}( 406 )، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}( 407 )، وتقريب الاستدلال يكون عبر النقاط التالية: أ- إنّ مرجع الضمير في {أَنْزَلْنَاهُ} يعود إلى القرآن الكريم، والظاهر منه هو كلّ القرآن لا بعض آياته، وهذا هو الأصل ما لم توجد قرينة تصرف المعنى إلى غيره، وهو الذي يفضي إليه لفظ الكتاب الدال على ما بين الدفّتين، والموصوف بالهداية والبيّنة.
الدليل السادس: الإحكام هو بمعنى الإتقان وليس البساطة وعدم التركيب: الإحكام في اللغة هو الضبط والإتقان والمنعة من الفساد( 439 )، والتفصيل هو التبيين( 440 )، وهذا لا ينسجم مع تفسير الإحكام بالبساطة والإجمال وعدم التركيب كما ذهب إليه بعض القائلين بالنزول الدفعي، والمناسب في المقام أن يكون مفاد قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}( 441 ) دائراً حول بيان قوّة ومنعة وإتقان القرآن الذي لا يزلزله شيء، والذي بُيِّن للناس منجّماً طوال فترة الرسالة، و(ثمّ) هنا للترتيب اللفظي لا غير، ويعزّز ذلك أنّ {كِتَابٌ} هو خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: هذا كتابٌ، فينصرف إلى القرآن المعهود بأيدينا وإلا لما جاز حذف المبتدأ( 442 )، وبذلك يستبعد القول بدلالة الآية على كون القرآن له حقيقة بسيطة هي التي نزلت أولاً بالنزول الدفعي ثم نزلت مرّة أخرى على نحو التدريج.