خلاصة:
من الإشکالیّات المحوریّة التییمکن طرحها على البحث الاجتهادی المعاصر: ما حقیقة الاجتهاد وجدواه؟ وما علاقته بالتجدید؛ سواء أفی فهم النصوص أم فی استیعاب متغیّرات الواقع؟ ولا سیما بمراعاة عدم انفکاک مفهوم الاجتهاد عن خصائص الدین الإسلامیّ الکبرى: الختم، والأبدیّة والخلود، والعموم أو الإحاطة، وعدم انفکاک أمر التجدید عن الاجتهاد المطلوب،إلى مرحلة قد تصل فیها علاقة الاجتهاد بالتجدید إلى حدوث أحدهما فی الآخر؛ فقد یقع التجدید فی الاجتهاد نفسه، فیغیّر المجتهد رأیه، وذلک حسب الزمن والحاجة والمصلحة، وهو ما یسمّى بـ "تجدید الاجتهاد"، الذی یشکّل مفتاح کلّ تطوّر وتحدیث.
فالاجتهاد المطلوب الیوم هو ذاک الذی یوازن بین "فقه النصّ" من جانب، و"فقه الواقع" من جانب آخر، على نحو یستجیب لحیویّة تجدّد الوقائع والأحداث؛ مثلما یبعد الجمود والتقلید عن فهم النصوص.
وإنّ أیّ مجهود تجدیدیّ فی المجال الفقهیّ یروم إعادة ترمیم الأنموذج الموروث وإعادة توجیهه، هو مطالب بأن یبتعد-ما أمکنه الابتعاد- عمّا یسمّى بـ "فقه المبانی"، الذی من أبرز سماته الانحصار ضمن دائرة ألفاظ النصّ ودلالاته اللغویّة والمنطقیّة والأصولیّة، دون الارتباط بالواقع ومتعلّقاته، على عکس "فقه المعانی" المثبّتة رکائزُه فی الواقع، والموصول بمقاصد النصّ وروح التشریع والحکمة العامّة التی یهدف النصّ أو التشریع العامّ إلى تحقیقها فی مثل هذا الواقع. ولا یعنی هذا إهمال "فقه المبانی"، وإبطال فاعلیّته والعمل به؛ بل یکون هو الأساس للنصّ الجدید المشرّع، وحیاً کان أم وضعاً، لواقعة محدّدة. على أن لا یکون هذا الفقه منهج فرد أو طریقة شخص؛ بل یقتضی وجود مجمع فقهیّ إسلامیّ عالمیّ یُعتمد فی ضبط الاجتهاد، وفقاً لمقاصد الشریعة الحقّة، لا وفق المیول المذهبیّة أو الأهواء الشخصیّة؛ حتى لا یسود التسیّب فی الاجتهاد، ولا تعمّ الفوضى فی مجال الفقه والفتوى.