ملخص الجهاز:
"من البدع التی جرت بها ألسنة الأکیاس[2] من الناس منذ حین سبهم جان جاک روسو واحتقارهم إیاه ، فویل لهم مما یرمون به قبر ذلک الکاتب العظیم من نبال اللعن والقدح ، وإنهم لجدیرون بالرثاء لعقولهم ، لم یکن ذنب الرجل الکبیر سوی أنه خالف سنة أهل النظر فی عصره وهی اعتقادهم فی إصلاح المجتمع الإنسانی علی الرجال ومخاطبتهم إیاهم فیه بأن وجه خطابه إلی الوالدات والأطفال ، وهوأمر هداه إلیه ما فطر علیه من جودة الطبع وذکاء القریحة ، علی أننا لو جردنا کتاب (أمیل) مما فیه من العبارات الفصیحة التی امتلات بها صحفه ، والشتائم الشدیدة المنبعثة عن وجدان کبر علیه احتمال الضیم والهوان ، والحماسة فی نصرة الفضیلة ، والانفعالات الشریفة التی کانت تعرو مؤلفه المؤمن بالله دون وحیه لأنبیائه عند نظره فی بدائع الصنع ومحاسن الکون- لوجردنا الکتاب من کل ذلک فما الذی یبقی لنا فیه ؟ یرجع کل ما قاله المؤلف فی الطریقة التی أراد وضعها للتربیة إلی هذه القاعدة ، وهی السیر علی مقتضی الفطرة ومعاملة الأطفال معاملة العقلاء ، نسلم له ما یقول ، ونحن نری أن اتباع الفطرة فی کل ما تدعو إلیه یفضی بالطفل إلی حالة التوحش والهمجیة ، لکن ذلک الحکیم علی عدم إیمانه بالوحی کان یعتقد أن أصل الکمال فی الفطرة والنقص إنما یعرض لها من فساد التربیة ، أما کلامه فی خطاب العقل ، فلا شک أنه جدیر بأن تصاغ له من أجله أجمل عبارات المدح تنویها بفضله، ولا بدع فی أن عرف له القرن الثامن عشر قدره بعد إنکاره ، فأقام له من الآثار ما خلد ذکره وأحیا اسمه ، لکن العقل من دون جمیع قوی الإنسان هو الذی یکون فی طور الطفولیة أقلها نموا ، فکیف إذن یعتمد علی هذه القوة الکامنة فی إیصال معنی الخیر إلی نفس الطفل ."