ملخص الجهاز:
"نعم إن العاصمة البزنطیة التی کانت تکتفی فی الأجیال الخالیة بأن یکون لهافی کل قطر رجل أو رجلان لتمثیل قوتها وعظمتها ، وجبایة المال لها - قد وسعتنفوذها فی عهد السلطان عبد المجید بعض التوسع ولم تستطع أن تبث رجالها فیکل مدینة من مدن البلاد إلا فی عهد نیرونها عبد الحمید خان ، الذی یلعنه أهلهاوغیرهم بکل شفة ولسان ، فإذا کان عبد الحمید ورجاله وخلفهم الاتحادیون ، وهمشر منهم ، هم الذین یفضلهم الجاهلون والمنافقون علی سائر أهل المملکة من جمیعالشعوب بدعوی أنهم تمرنوا علی الإدارة والأحکام ، فحسبنا فی الرد علیهم أنالسماء والأرض قد استغاثتا من ظلمهم وسوء إدارتها ، وحسبک من الشواهد العیانیةما جرته إدارتهم وسیاستهم علی المملکة من إضاعة ثلثها الإفریقی وثلثها الأوربی ،وبعض الثلث الثالث الآسیوی ، وجعل الباقی علی خطر ، وإنه لم یوجد أحد منهم لهفی المملکة أثر من آثار العمران ، إلا أن یکون مدحت باشا علی ضعف فیه ، فإننالا ننسی له مثل تأسیس شعبة المعارف فی سوریة وخط الترام بین طرابلسومینائها ، وأمثال ذلک من الأعمال الصغیرة فیها نفسها ، التی نستکبرها لأنه لمیخرج من الآستانة أحد له عمل عمرانی مثلها ، فالبزنطیون قوم متمرنون علیالتخریب کما ثبت بالمشاهدة والتجریب ، فهل نجعل هذا دلیلا علی استعدادهمللتعمیر ؟إذا أردنا أن ننصف التاریخ فی وصف الشعوب العثمانیة فلا مندوحة لنا عنالقول بأن الشعب الأرمنی هو الآن أکثرها تعلما وتربیة مدنیة ونشاطا فی الکسبوالعمل ، ویلیه الشعب السوری ، وإنما ینقص عنه فی نسبة التعلیم والتفرق ، فإنتساهلنا وتنازلنا قلنا : ( کلنا فی الهوی سوی ) فلماذا تجعل الأحکام والمصالح کلها فیأیدی البزنطیین دون غیرهم ؟ فإن فرضنا أنهم یمتازون بشیء من قشور العلوموالفنون الأوربیة التی تقرأ فی مدارسهم ، فأی حاجة لنا بهذه القشور فی بلادنا التی لاتعرف لغتهم لتستفید شیئا منها ، إن کانت محتاجة إلیها ، علی أن کثیرا من أبنائناالمتعلمین فی تلک العاصمة والمتعلمین فی بلادهم وفی مصر وأوربة هم خیر منهم ،فنستغنی بهم عنهم ."