ملخص الجهاز:
"والحال أن الزیادة التی توءخذ فی ظل النظام المالی الجدید ـ البنک والفائدة البنکیة ـ لا تعتبر بنظر العقلاء أنها ظلم وباطل ، بل أن نظرتهم إلیها وإلی ما تجنیه من فائدة علی المجتمعات کافة وبما فیها من نفع یعود علی أفراد المجتمع فضلا عن صاحب المال ، قد تحولت فی وقتنا الحاضر إلی نظرة ضرورة وحاجة ، فلو فرضنا أن أرسطو موجود الآن بیننا وفی عصر الأنظمة البنکیة ، لم یکن یحکم علی الفائدة المعطاة من قبل البنک بالحکم الذی أطلقه علی الربا ، بل کان سیبیح هذه الزیادة دون تردد ، للأسباب السابقة ، خصوصا إذا لاحظنا أن الانتفاع فی الربا کان مقتصرا علی صاحب الثروات والنقود المکتنزة ، أما فی الفائدة البنکیة فالمستفید منها هم أصحاب الأموال القلیلة والمتوسطة ، الذین یدخرون الفائض عنهم فی البنوک ، وأما أصحاب الأموال الکبیرة فهم فی غالب الأحوال الذین یقترضون بزیادة ، فإن نظرة العقلاء فی مثل هذه القروض ـ التی ینتفع منها الفقراء ـ لیست کما کانت بالنسبة للربا .
أما أن تکون الزیادة المفروضة علی رأس المال فیما إذا کان القرض لأجل التجارة أو الصناعة ، أو لأجل استصلاح أراض زراعیة أو غیر ذلک من الامور الإنتاجیة ، فهو لأجل عدم شیوعه وندرته فی زمن النص لا یمکن أن یکون مشمولا للحکم بحرمة الربا ، وقد نقل السهروردی عن الاستاذ معروف الدوالیبی : « بأن الربا المحرم إنما یکون فی القروض التی یقصد بها إلی الاستهلاک لا إلی الإنتاج ، ففی هذه المنطقة ـ منطقة الاستهلاک ـ یستغل المرابون حاجة المعوزین والفقراء ، ویرهقونهم بما یفرضون علیهم من ربا فاحش ، أما الیوم وقد تطورت النظم الاقتصادیة وانتشرت الشرکات وأصبحت القروض أکثرها قروض إنتاج لا قروض استهلاک ، فإن الواجب النظر فیما یقتضیه هذا التطور فی الحضارة من تطور فی الأحکام ، ویتضح ذلک بوجه خاص عندما تقترض الشرکات الکبیرة والحکومات من الجماهیر وصغار المدخرین ، فإن الآیة تنعکس والوضع ینقلب ، ویصبح المقترض ـ أی الشرکات والحکومات ـ هو الجانب القوی المستقل ، ویصبح المقرض ـ أی صغار المدخرین ـ هو الجانب الذی تجب له الحمایة ."