ملخص الجهاز:
"الجدل الدائر لیس بالضرورة جدالا مذهبیا أو فقهیا بین فریقین یفهم کل منهما النص بطریقة ما، وفقا لقواعد وضعها العلماء والمفسرون، بل هو بین من یرید إخضاع وتأویل النص القرآنی وفقا لهواه ورغبته العارمة فی الإمساک بمفاتیح السلطة والثروة، وفریق آخر ینطلق من فهم محکم لکتاب الله یبدأ من أمهات المفاهیم القرآنیة التی تدعو لإقامة العدل ونبذ الظلم، أی: أن القرآن هو نقطة البدء والانطلاق علی عکس الفریق الآخر الذی یجعل النص فی خدمة الهوی السیاسی، سواء کان هذا النص قرآنیا أو نبویا، وفی هذه الحالة یتسع المجال لوضع وتلفیق الروایات ونسبتها إلی رسول الله.
إنها قیم العدل، ورعایة الضعیف والیتیم، وحمایة کیان الأسرة، ومحاربة الفقر، ومنع الظلم والاعتداء، وحرمة النفس التی حرم الله إلا بالحق، ومن خلال المحاکمة المنصفة العادلة، أی: أن الحاکم هو من یحتاج إلی إقامة الدلیل علی صحة حکمه، بینما یقول أحد رموز الفتنة وهو القاضی ابن العربی فی مرافعته عن معاویة بن أبی سفیان فی کتاب (العواصم من القواصم) ما نصه: «قد علمنا قتل حجر بن عدی کلنا، فبعضنا یقول: قتله ظلما، وقائل یقول: قتله حقا.
الراسخون فی العلم من النوع الثانی، أو من تلک الحلقة الوسیطة بین أهل القمة أهل الذکر وجمهور المؤمنین المتلقین (مثل عمار بن یاسر) یشکلون ضرورة حیاة وبقاء لهذا الدین، ولهذه الأمة حتی ولو لم یبلغ علمهم ما بلغه علم أئمة الدین(، وهم قد عرفوا حدودهم وقدراتهم وهم من وصفهم الإمام( بقوله: «واعلم أن الراسخین فی العلم هم الذین أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغیوب الإقرار بجملة ما جهلوا تفسیره من الغیب المحجوب فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم یحیطوا به علما، وسمی ترکهم التعمق فیما لم یکلفهم البحث عن کنهه رسوخا، فاقتصر علی ذلک ولا تقدر عظمة الله سبحانه علی قدر عقلک فتکون من الهالکین»( 88 )."