ملخص الجهاز:
"و السؤال الذی یفرض نفسه علینا الیوم هو أین کان«الخیال السوسیولوجی»من کل هذا، و فی وقت عرف کبریات التجارب التنمویة لآمال معقودة علیها مثل سلسلة الإصلاحات الزراعیة التی توالت فی مختلف البلدان العربیة،و کذلک التأمیمات الکبری،انطلاقا من قناة السویس عام 1956 إلی المحروقات فی الجزائر عام 1971،و الانجازات الاقتصادیة و الاجتماعیة و الثقافیة الهائلة مثل سد أسوان،و مرکبات الحدید و الصلب،و کبریات الجامعات العلمیة و التقنیة؟فمثلما کان الشأن بالنسبة إلی البروتستانت عند ماکس فیبر،کان العالم انذاک یبدو«ورشة»و المجتمعات العربیة عنصرا من عناصره النشطة،علی الرغم من العوائق التی کانت الامبریالیة تضعها للحیلولة دون ذلک!
و علی جمیع مستویات أشکال الصور،و مهما کانت نوعیة عوامل التحلیل و طبیعتها(سواء التی تفضل فی تحلیلاتها عامل الاستعمار أو تلک التی تفضل عاملی الامبریالیة أو البترودولار و اسرائیل)،فإن الفرضیة التاریخیة تبنی علاقة سببیة بین مختلف الخصوصیات الاجتماعیة و الاقتصادیة و السیاسیة التی عرفتها المجتمعات العربیة،إضافة إلی الایدیولوجیات التی تشعبت من الوعی الجماعی(أو الضمیر الجمعی کما یقال أحیانا).
هل هذه لیست بأحکام مسبقة،لا أساس لها من الصحة لکونها غیر مبنیة علی وقائع تاریخیة أو براهین استدلالیة؟ألا یعتبر هذا بمثابة السقوط فی غی الایدیولوجیة الوضعیة و العلمویة التی انتجها الثقافة الغربیة بخصوص قراءة تاریخها؟ألیس هذا استهلاکا لقراءة غربیة،یستهلکها الفکر العربی باسم«العقلانیة»؟ألا ینبغی علینا التخلی عن هذه الایدیولوجیات و هذا«الفکر»و نعود من جدید لتقصی مجتمعاتنا،انطلاقا من واقعها الحاضر،دون اللجوء إلی فئات مرجعیة و نظریة انتجت بعیدا عنا؟ إن التخیل السوسیولوجی الذی جاء به عبد الله العروی و تبنیناه نحن بدورنا،و المتعلق بالقدوم المظفر و المنتصر للتقنوی و زوال رجل الدین،ما هو فی نهایة الأمر إلا مغالطة یمکن أن تکون انطلقت عن«حالة تلبس صامتة»و هی مغالطة لا تشاهد فی التاریخ إلا ما سبقت مشاهدته من قبل!"