ملخص الجهاز:
"إبن خلدون و الأزهر کان أول حدیث عن علم الاجتماع فی مصر خاصة و فی العالم العربی بوجه عام بعد أن ألف العلامة ابن خلدون مقدمته الشهیرة فی أواخر القرن الثامن الهجری و الرابع عشر المیلادی.
و یقصد ابن خلدون بکلمة«العوارض الذاتیة»ما نقصده نحن بکلمة«القوانین» و یتضح غرضه هذا مما کتبه فی مواضع کثیرة من مقدمته و بخاصة ما ذکره فی أثناء کلامه علی علم الهندسة اذ یقول«هذا العلم هو النظر فی المقادیر،و ما یعرض لها من العوارض الذاتیة،مثل أن کل مثلث فزوایاه مثل قائمتین،و مثل أن الخطین المتوازیین لا یلتقیان و لو خرجا الی غیر نهایة،و مثل أن کل خطین متقاطعین فالزاویتان المتقابلتان فیهما متساویتان«ضرب هذه الأمثلة لما یسمیه هو«بالعوارض الذاتیة»و هذه الامثلة هی التی نسمیها نحن«بالقوانین».
و یرجع السبب فی ذلک الی حالة الخمود و الرکود و الارکاس التی کان یتخبط فیها العالم العربی طوال هذه الفترة و الی أن الأجواء العلمیة الرفیعة التی تحلق فیها بحوث مقدمة ابن خلدون فی علم الاجتماع کانت تسمو کثیرا عما کانت علیه مستویات العقول فی هذا العصر.
و لا أدل علی ذلک مما رواه السید محمد رشید رضا عن الامام الشیخ محمد عبده أنه لما عاد من المنفی الی مصر سنة 1306 هـ 1888 حاول أن یقنع الشیخ الانبابی شیخ الجامع الأزهر حینئذ بتدریس مقدمة ابن خلدون فی الأزهر و وصف له فوائدها و أهمیة دراستها.
و کانت قراءتها و الرجوع الیها و الاشارة الیها فی الحدیث من أمارات الثقافة العالیة فی هذه الفترة و صاحب ذلک فی مصر نهضة علمیة حمل لواءها تلامیذ جمال الدین الأفغانی،و خاصة تلامیذه من علماء الأزهر،و علی رأسهم الأستاذ الامام الشیخ محمد عبده،و ذلل سبلها ما تیسر لمصر حینئذ من وسائل الاتصال بالعالم الأوربی و ثقافته الحدیثة."