ملخص الجهاز:
"و مع هذا إذا کانت المعرفة الانسانیة لا ینبغی أن تکون کبناء لا أساس له و لا رأس،فلا شک فی أنه سیأتی یوم تمکن فیه المناقشة فی هذه المسائل؛و إذا قدر لهذه المسائل أن تحل تدریجیا لا بواسطة واحد من العلوم الخاصة کالریاضة و الطبیعة و الفیزیولوجیا، و لکن بواسطة علم یتوج جمیع العلوم و یطبع فیها وحدة من طریق التوفیق و التألیف، فهذا العلم الذی یکون موضوعه الأصول الأولیة أو العلل الأولیة هو المیتافیزیقا التی نحن بصدد الکلام عنها.
من کل ما مر یتضح أن المیتافیزیقا لم توضع لغرض دینی،ولکنها وضعت بواسطة أرسطو أو تلامیذه لغرض فلسفی،و لم یلق بها الی عالم الأوهام منذ نهضة العلم فی أوروبا أی منذ نحو قرنین أو ثلاثة،ولکنها لا تزال قسما من الفلسفة الرسمیة الی الیوم،و هی من الأدوات العقلیة التی لا بد منها للوصول الی فهم الوجود الذی نعیش فیه؛فان کنا لم نصل الی تحقیقه علی مقتضی الدستور العلمی فلیس بمستحیل أن نحظی بفتح جدید فی العلم تنکشف لنا منه أمور یکون لها أکبر أثر فی تقریبنا من الحقیقة و إذا صدق الطبیعیون فی قولهم إن الطبیعة غیر مسرفة فیما تعمل،ساغ لنا أن نقول إن هذا التعطش من العقل فی البحث عن علل الموجودات،و تتبعها حتی تصل الی نهایة فی العالم المحسوس لا یثلج الصدر علیها،ثم لجوءه الی النظر فیما وراء العالم المحسوس،و تشبثه بهذه المحاولة بنهمة لا تهدأ،إن هذا الولوع المفرط بالوصول الی ماوراء العالم المحسوس لا یمکن أن یکون قد وضع فیه عبثا،و لا بد من أنه سیحفزه الی بلوغ درجة من العلم تناسب درجة هذا العامل المستعصی فیه."