ملخص الجهاز:
"نقد موقف الأشعری فی الکسب أثار قول الأشعری فی قدرة العبد المحدثة التی لا أثر لها فی مقدورها إلا اکتساب هذا المقدور جملة اعتراضات من المعتزلة بخاصة،و المتکلمة بعامة،و أجمعوا علی أن الکسب الذی قرره الأشعری من محالات الکلام15،و أنه غیر معقول فی نفسه16،و من هذه الاعتراضات: أولا:قرر الأشعری أن الفعل یقع من العبد بقدرة محدثة اکتسابا، و یحدث بقدرة الله تعالی خلقا.
فی ضوء ما تقدم،یلزم القول:إن العبد فاعل فعله علی الحقیقة، کما أن الله تعالی خالق أفعال العباد فی الوقت ذاته،أی إن هناک تقاطعا بین الفاعلیة الإلهیة و الفاعلیة الإنسانیة عند إحداث الفعل و إیقاعه،و هذا ما قرره الإمام الجوینی بقوله:«و الفعل المقدور بالمقدرة الحادثة واقع بها قطعا،و لکنه مضاف إلی الله تعالی تقدیرا و خلقا،فإنه وقع بفعل الله تعالی و هو القدرة،و لیست القدرة فعلا للعبد»87،و وجه التقاطع بین الفاعلیتین،الإلهیة و الإنسانیة،هو قدرة العبد،و هذه القدرة هی الموقعة للفعل مباشرة،أما خلق الفعل علی التحقیق فهو لله تعالی،إذ إنه خلق القدرة للعبد«و أراد منه أن یفعل فأحدث فیه دواعی مستحثة،و خیرة و إراده،و علم أن الأفعال ستقع علی قدر معلوم فوقعت بالقدرة التی اخترعها للعبد علی ما علم و أراد»88.
و بمقارنة ما ذهب إلیه إمام الحرمین فی القدرة المؤثرة فی مقدورها، بما قرره الأشعری و الإسفرایینی،یمکن القول:إن الجوینی قد أوضح ما کان غامضا عند هذین الشیخین،فکلاهما قد أشار إلی تأثیر القدرة الحادثة فی مقدورها بإذن الله و تمکینه،لکنهما لم یوضحا طبیعة هذا التأثیر،فجاء إمام الحرمین و أوضح بجلاء أن قدرة العبد«تؤثر فی مقدورها»،و أن هذه القدرة توقع مقدورها حقیقة،و لکن هذا المقدور «یضاف إلی الله سبحانه و تعالی تقدیرا و خلقا،فإنه وقع بفعل الله و هو (95)سورة العلق،الآیة 5."