ملخص الجهاز:
"و من هؤلاء من یتعمد العبث بتلک الأصول و المقاییس أو یزعم أن نقل الأفکار و التجارب العقلیة و الشعوریة لیس مما یتوقف علی ضبط قواعد اللغة و الالتزام بها،بل إن منهم من یدعو إلی نبذ ما بعرفه أهل العربیة باللغة الفصیحة و العدول إلی لغة الحیاة الیومیة التی تعرف بالعامیة أو اللهجات المحلیة،زاعما أنها هی اللغة الحیة حقا،و أن اللغة الفصیحة لا تملک من أسباب الحیاة و الحیویة إلا قدرا یسیرا.
-2- و هذا الاختلاف الذی کان بین اقدامی من أهل العلم بالعربیة له ما یشبه عند المعاصرین من علماء اللسایات Lin guisties فإن لهم فی الحکم علی اللغة بالصحة و الخطأ مذاهب ثلاثة: المذهب الأول هو الذی یستهدی بالتاریخ الأدبی،و فیه تقاس الصحة اللغویة بمقدار الموافقة لما کان یجری علی ألسنة شعراء و أقلام الکتاب و آثار الأدباء الأقدمین.
-3- إن هذا المذهب و إن یکن أقرب المذاهب إلی القبول،فإنه یثیر جملة من المشکلات و التساؤلات،من ذلک،مثلا أن یتساءل: أی سامع أو متلق ذاک الذی یتخذ منه معیار للحکم فی تذوقه و فهمه؟و أی قائل أو منشئ ذلک الذی یتخذ أداؤه مقیاسا للیسر و السهولة أو العسر و الوعورة؟ و أی مجتمع أو شریحة اجتماعیة-کما یقال هذه الأیام-ذاک الذی یصح أن یتخذ العرف أو الذوق-الذی یسود فیه-مقیاسا للصحة و الخطأ أو الجمال و القبح؟ إن من المجتمعات ما هو منغلق علی نفسه محدود العلاقات بغیره،بحیث یتفرد بطرائق معینة و أسالیب خاصة فی التعبیر باللغة،سواء فی ذلک طرائق النطق و التلفظ أو وسائل الترکیب و أسالیب التعبیر، و مثل هذا الطراز من المجتمعات لایصح فی هذا الباب أن تتخذ خصائصه و طرائقه اللغویة موازین أو معاییر یستهدی بها فی الحکم علی العبیر اللغوی،ما دام الأساس فی الحکم هو إبلاغ المراد من الکلام فی دقة و یسر و فی إمتاع."