ملخص الجهاز:
"و هذا یجعلنا نتساعل:ما هذه الحقیقة التی یمکن أن تکون«موضوع» الفلسفة؟قد یبدو لنا و نحن نقرن«موضوع»الفلسفة بموضوعات العلوم الجزئیة،ان الحقیقة الفلسفیة هی الحقیقة الکلیة،طالما أن الحقائق الجزئیة هی موضوعات العلوم الجزئیة!و لکن افتراض مثل ذلک لا بد له من ان یکون مدعاه للتأمل؛و التأمل لا بد له من ان یجعلنا نسائل انفسنا: هل هناکحقیقة کلیة بالمعنی الصحیح للکلمة؟و هل الحقیقة أمر ذاتی محض أو أمر مرتبط بموضوع من الموضوعات؟اذا کانت الحقیقة أمرا ذاتی،لا تختلط عندئذ بالوهم،و تصبح أمرا نصنعه کما یحلو لنا؟و اذا کانت مرتبطة بموضوع من الموضوعات،الا تصبح حقیقة جزئیة،من حیث ان الموضوع دائما موضوع ماثل امام الذات،یحدها و تحده؟!و فی هذه الحال،الا تختلط الفلسفة بالعلوم الجزئیة،باختلاط«موضوعها» بموضوعات هذه العلوم؟ثم الا ینتهی الامر بأن تنطوی الحقیقة الکلیة علی تناقض فی الحدود؟ اننا لا نری ان هناک حقیقة کلیة بالمعنی الدقیق للکلمة.
و لکی نبین ذلک، لا بد لنا من التوقف عند«الحقیقة»کاملة التشخیص،و نری کیف یتجرد الوجدان منها،و یجرد الحقیقة الاولی الی وجود و صیرورة من ناحیة، و موجودات و حوادث جزئیة تنتج عن حرکة الصیرورة من ناحیة أخری؛ لننتقل من بعد،الی معنی التغیر و التطور و الزمان و التاریخ من حیث انها معان لا حقة بالصیرورة؛و لنکشف عن دور الوجدان فی الانتقال من التشخیص الی التجرید،حینما یتجرد هو من جسده،و یصبح ذاتا عارفة؛فیری الحقیقة الاولی تارة فی وحدتها الوجودیة،و اخری فی تعددها المجرد؛و یدرک أن«الحقیقة»کاملة التشخیص لا یمکن أن تری الا بنظرة کاملة التجرید؛و ان الذات-بما هی جانب مجرد من الوجدان-لا یمکن أن تعبر وحدها عن الحقیقة الفلسفیة؛و ان أحکامها تظل أحکاما جزئیة،تفترض وراءها«الحقیقة»کاملة التشخیص."