ملخص الجهاز:
"و من هنا نستخلص ان المنطق الذی یحکم العلاقات الدولیة الیوم أبعد ما یکون عن وصفه بالمنطق القانونی المشروع،رغم محاولات تقنینه و إضفاء الشرعیة علیه کما أنه لم یعد منطق توازن القوی و الردع المتبادل و الذی ساد العلاقات الدولیة طوال فترة الحرب الباردة،إنما هو منطق القوی المنفردة التی تحظی بها الولایات المتحدة دون رادع أو رقیب فنجد أن الولایات المتحدة تناصب لیبیا العداء و تفرض ضدها العقوبات لرفضها تسلیم مواطنیها للمحاکمة فی دولة اجنبیة بما یخالف قوانینها، بینما نکتفی بالاعتذار عن اسقاط قواتها لطائرة مدنیة ایرانیة اثناء حرب الخلیج و قتل 97 من رکابها بحجة ان ذلک کان خطأ غیر مقصود،و تناصب کوبا العداء و تفرض علیها الحصار الاقتصادی لغیاب الدیمقراطیة عن نظامها السیاسی الشیوعی،بینما توطد علاقاتها التجاریة بالصین معقل الشیوعیة فی عالم الیوم،و ینادی البعض فی الولایات المتحدة بمنحها مرتبة الدولة الاکثر تفضیلا تجاریا،و تهدد الولایات المتحدة العراق بمعاودة شن الهجوم ضده إذا لم یمتثل لعملیة تدمیر کافة عناصر تسلیحه الاستراتیجی و وسائل إنتاجه بینما تدعم البرنامج النووی الاسرائیلی،ان تغمض العین عنه علی أقل تقدیر،فالمسألة اذن لیست مسألة مبادیء عامة لنظام عالمی جدید،ونلکنها فی الواقع عملیة فرض لمبادیء مستحدثة،تحمل مفاهیم جدیدة ذات صیاغات مرنة تحتمل التفسیر و تتیح فرصة و تتیح فرصة الانتقاء و التمییز و إزدواجیة المعیار طبقا لمقتضیات المصلحة الامریکیة المطلقة،و التی اقتضت فی تلک المرحلة اضفاء الشرعیة علی ممارسات الهیمنة الامریکیة من خلال إستئناس المنظمة الدولیة،و تقلیص السیادة الوطنیة للدول،و إستحداث المزید من الذرائع ذات الصبغة القانونیة المشروعة التی تعطی للولایات المتحدة فرصة التدخل فی ای دولة،فی ای وقت و بالصورة التی تراها ملائمة،إعمالا لواحدة من تلک الذرائع،معلنة بذلک انتهاء عصر السیادة الوطنیة المطلقة،و تقلیص مفهوم السیادة ککل من خلال جعل مجلس الامن بمثابة سلطة علیا تدیر شئون العالم.."