ملخص الجهاز:
"و مع أننی أعلم عن نفسی أن«أوضح»عیب فی هو الوضوح،فسأحاول فی السطور القادمة أن ألقی شیئا من الضوء علی هذه الظاهرة التی طالما عذبت القراء،و حیرت النقاد،و تعجب منها الشعراء أنفسهم!و أحب قبل أن یتشعب بی القول فی هذه المشکلة العویصة أن أقدم للمقال بمجموعة من الملاحظات العامة:تمهیدا للحدیث عن ظاهرة الغموض فی الشعر الأوروبی فی القرن العشرین،و بخاصة عند واحد من أکبر شعرائه،و هو چوسیپی انجارتی أعظم شعراء ایطالیا المعاصرین الذی یعده بعض النقاد من أکثرهم غموضا،بل یزعمون أنه من الداعین الیه و المؤسسین لنزعة قویة فیه: ملاحظات عامة 1-یصبر الشاعر الجدید عن تجربة جدیدة.
فاذا رأیناهم یکثرون من استخدام الرموز و الأساطیر و المواقف و الأبطال من التاریخ القدیم و الحدیث،و الشرقی و الغربی،و اذا رأینا شاعرا مثل الیوت یتنقل مرة فی آفاق الثقافة العالمیة و یعید صیاغة المواقف و الرموز و الشخصیات القدیمة بما یوائم رؤیاه الشعریة و النفسیة،و اذا رأینا شاعرا آخر مثل باوند یتطرف فی هذا الاتجاه فیکنب بعض الکلمات و الجمل الشعریة بلغاتها و رسمها الأصلی-کالهیر و غلیفی أؤ الصینی أحیانا!-فاننا نصاب کما قلت بالخوف و الفزع،لا من معرفة الشاعر بالتراث بل من جهلنا نحن به!لعل هذا أیضا أن یکون أحد الأسباب التی تجعلنا نتهم الشعر الحدیث بالغموض.
-و ما أشد ذهولنا حین نطلع مثلا علی ما یکتبه الأجانب عن أدبائنا الکبار أو حین نلاحظ کیف یعجزون عن الاحساس بالجو الأدبی الذی نعیش فیه!- و مع ذلک کله فنستطیع أن نقول و نحن مطمئنون ان أنجارتی یعد عند فریق کبیر من أهله أکبر شاعر بعد «جبرییل داننزیو»،و الجمیع یتفقون علی أنه خلص القصیدة فی بلاده من أثقال البلاغة و الزخوف و التکلف."