ملخص الجهاز:
"و فی أوائل القرن التاسع عشر ولدت قضیة دولیة و سیاسیة محورها مسیحیو الشرق لا تعود أسبابها إلی الخصائص الدینیة أو العلاقات الطائفیة مع السلطنة،بل لأن هذه المنطقة فی العالم کانت تشهد تحولات کبری،منها النزاع الفرنسی -البریطانی-للسیطرة علیها و ما استتبع ذلک من نزاع بین الدول الأوربیة و الدولة العثمانیة72.
و فی مطلع القرن العشرین بدا واضحا أن الرأسمالیة الأوروبیة،و بخاصة فرنسا،قد سیطرت علی مقدرات واسعة فی المقاطعات اللبنانیة،بعد أن استغلت نظام الامتیازات سلاحا للتغلغل فی السلطنة العثمانیة سیاسیا و اقتصادیا و اجتماعیا و تربویا لتحویلها إلی دولة شبه مستعمرة و منطقة نقوذ للدول الأوروبیة65إن الامتیازات الأجنبیة کانت عاملا زاد من تعقید الموقف العثمانی، فابتدأت تنازلا بسیطا من السلطات للرعایا الأجانب و سرعان ما أضعفت الدولة العثمانیة و بدأت تفلک أجزاءها بعد أن نالت الدول الأوروبیة تباعا إمتیازات کانت تتسع باستمرار،حتی بات من السهل إحصاء ما تبقی من نفوذ للسلطنة علی الرعایا،و من الصعب الإحاطة بنفوذ الدول الأجنبیة داخل هذه السلطنة، بحیث بات من المستحیل إعادة هیبتها المترامیة الأطراف التی أضحت رجلا مریضا تسعی الدول الاستعماریة إلی إطالة مدة إحتضاره کی یتم لها اقتسام ترکته بهدوء و دونما حرب75.
تحت هذه الوطأة استطاعت الدول الأوروبیة أن تفرض نظام القائمقامیتین الذی قسم جبل لبنان إلی منطقتین«درزیة و نصرانیة»و لکل قائمقامیة مجلس یمثل الطوائف الخمس:«السنة و الموارنة و الدروز و الروم الأرثوذکس و الروم الکاثولیک،و اقتصر علی تمثیل الشیعة فی المجلس بمستشار،لعدم اعتراف العثمانیین بأنظمة خاصة بالشیعة»77.
و مما ساعد الدولة الفرنسیة علی ذلک أنها کانت حتی بدء الحرب العالمیة الأولی أقوی الدول الأوروبیة نفوذا فی جبل لبنان بفضل معاهدها العلمیة التی نشرت ثقافتها فی کل مکان،و المشاریع الاقتصادیة البارزة و أهمها إنشاء مرفأ بیروت و الخطوط الحدیدیة،بالإضافة إلی تواصل اهتمامها بمصیر البلاد منذ سمحت لها الدولة العثمانیة بامتیاز یتصل بحمایة المؤسسات الکاثولیکیة فی الشرق الأوسط."