چکیده:
تهدف هذه الدّراسة إلى إثبات الرؤیّة المستقبلیّة فی القرآن الکریم بوصفها منحىً أساسًا فی عمق الفلسفة المفهومیّة ومنظومة الدلالات فی جمیع أبواب القرآن الکریم؛ لأجل تأکید الأهمّیّة القصوى للنظرة الاستشرافیّة فی تحسین حال الأمّة وترشیدها للأنظمة المعرفیّة والاجتماعیّة للمسلمین ولغیرهم -أیضًا-، لأنّه کتاب هدایّة للبشریّة جمعاء ولم ینزل على المسلمین وحدهم؛ بل حینما نزل الکتاب الکریم لم یکن هناک مسلم.
ومن المحاور الأساس والفرضیّات الهامّة التی ترید الدراسة تأکیدها: العلاقة بین الرؤیة المستقبلیّة القرآنیّة والمنهجیّة السببیّة العلمیّة المنطقیّة الحاکمة على القضایا المطروحة فی الآیات القرآنیّة حول الإنسان والمجتمع واتّصافها بالقواعد والسنن المحکمة؛ ما یأذن بإمکانیّة تحقّق عملیّة التوقّع للمستقبل وأحداثه؛ بل یساعد على صناعة المستقبل، لا معرفته فحسب.
ومن ناحیة أخرى، فإنّ المستقبلیّة القرآنیّة هی سمة عامّة للفکر الإسلامیّ الإلهیّ تساهم فی مجمل العملیّات التربویّة وکذلک الصیاغة الاجتماعیّة وبناء منظومات المعرفة والمعتقد والقیم. بهذا المفهوم لا ننظر إلى المستقبلیّة القرآنیّة باعتبارها عنصرًا فی التأکید على معرفة المستقبل أو العمل له أو الخفض من الاهتمام بالراهن فی ضوئها، وإنّما الهدف الأساس هو أنْ نثبت أنّ القرآن الکریم یؤسّس لرؤیّة مستقبلیّة تتحوّل فیما بعد إلى سمة التفکیر الإنسانیّ عمومًا، ویصار إلى أخذها بالاعتبار من قِبَل الإنسان الفرد والأمّة فی عملیّة التصمیم والتخطیط والإدارة والقیادة ومواجهة الأخطار ومواکبة الأحداث.
والمعطى الهامّ الثالث هو السعی إلى إثبات أنّ الإنّسان القرآنیّ بفطرته مستقبلیّ الاتّجاه وذو نزوع استشرافیّ فی قرارة فطرته، حتّى لو أخطأ فی التطبیق والبرمجة، وکذلک فإنّ جمیع الأوصاف الحمیدة والصفات الحسنة إیمانًا وخُلقًا وفقهًا تتلاحم وتتشابک فی القرآن الکریم فی ظلّ منطق مُنسجمٍ فی رسم المستقبل وتوعیة المسلم فی حرکته الراهنة.