لمّا كان كلامه (عليه السلام) مبثوثاً في المجاميع الحديثية المختلفة، وهو كلام يتضمّن أعلى درجات البلاغة والفصاحة، تصدّى الشريف الرضي -في منتصف القرن الرابع- إلى جمع نزر يسير من هذه الخطب والكلمات الواردة عن الأمير (عليه السلام) ووضعها في كتاب أسماه بكتاب نهج البلاغة وهو في الواقع ليس نهجاً للبلاغة فحسب بل هو نهج للحياة؛ لما تضمنه من مضامين عالية في مختلف الجوانب الحياتية التي يحتاج إليها الإنسان في طريق نظم أمره والوصول إلى ربّه، ولم يكن الشريف الرضي أول من جمع هذه الخطب بل قد سبقه غيره من العلماء الأعلام.
فكان نهج البلاغة منتشراً -ولا زال كذلك- بين المسلمين لما له من أهمّية عندهم، ومما يبيّن مقدار هذه الأهميّة تخريج مصادر خطبه وأسانيده من قبل بعض العلماء كالشيخ محمد الدشتي(1)، والسيد عبدالزهراء الخطيب(2)، فكانت الكثير من الخطب مسندة بالإسناد الصحيح.
وقد اعتمد الشريف الرضي على توفّر الكتب في بغداد آنذاك في المكتبات العامّة والخاصة، ومن جملة هذه المكتبات مكتبة الشريف المرتضى المعروف بعلم الهدى التي كانت تشتمل على ثمانين ألف مجلّد، ويكفينا -في ذلك- توصيف ياقوت الحموي في معجم البلدان حيث يقول "لم يكن في الدنيا أحسن مكتبة منها، كانت كلها بخطوط الأئمة المعتبرة، وأصولهم المحررة"(3).
الكل مدين إلى الشريف الرضي (رحمه الله) على هذا العمل الجبار والعظيم الذي له فضل على الإسلام والمسلمين، فقد حفظ لناهذه المجموعة من الخطب والكلمات عن الضياع والاندراس في وقت تعرّضت فيه مكتبة بغداد للحرق والإتلاف على أيدي جهلة العلم وأعدائه.
رئيس التحرير *** * الهوامش: (1) فقد استخرج مصادر نهج البلاغة في كتابه أسناد ومدارك نهج البلاغة، فاستخرج 283مصدراً.
(2) فقد استخرج 114 مصدراً في كتابه مصادر نهج البلاغة.