خلاصه ماشینی:
ولَسْتُ أريد الخَوْض في بيان دواعي وأسباب هذا التناقض بين القول والعمل، وإنما أريد أن أعرض إثارةً تتعلَّق بمعقوليّة أن يكون الشارع الحكيم قد ترك الحُرِّية لأمثال هؤلاء ـ وهم كُثُرٌ ـ في أن يستجيبوا لشيطان الجنّ والإنس أو لهوى النفس؛ فيخرِّبوا المجتمعات البشريّة، ويحرموها من أبسط حقوقها؛ حيث تتجلَّى المشكلة الكبرى هاهنا في آثار ونتائج مثل هذه المخالفات على واقع الحياة الاجتماعيّة للناس؛ إذ في أغلب التشريعات ـ إذا لم نقُلْ: كلِّها ـ ما هو شديدُ التماسّ مع المجتمع ومصالح أبنائه.
فقد نتصوَّر أن الصلاة مثلاً عملٌ فرديٌّ مَحْضٌ، وخاصٌّ بمريدها والملتَزِم بها، ولكنْ لو التفَتْنا إلى أن وقت الصلاة ـ رغم سَعَته ـ قد يستوعب ويترافق مع عملٍ أو سَفَرٍ، فيحتاج مريدُ الصلاة إلى مكانٍ خاصّ يصلّي فيه (مساجد أو مصلَّيات)، وإلاّ فسيكون مضطرّاً للصلاة في أيّ مكانٍ يختاره، ما قد يعطِّل حياة الناس ومصالحهم، فحينئذٍ لا تعود الصلاة فعلاً فرديّاً بالمطلق، بل هي واجبٌ شخصيٌّ، وله انعكاساتٌ على الآخرين، فلا بُدَّ أن تكون تحت سقف قانونٍ ونظامٍ عامٍّ، يكفل الحقّ والراحة للجميع: مريد الصلاة؛ وغيره من أفراد المجتمع المحيطين به.
ولستُ أعني بذلك الأحكام ذات الطابع الاجتماعيّ الواضح، والتي قد تكون محطَّ اهتمام الحاكم ووليّ الأمر بشكلٍ تلقائيٍّ؛ إذ هي أبرزُ مجالات عمله وولايته، وإنّما أحاول إثارة هذه الفكرة بالتحديد، وهي: لزوم أن يحضر الحسّ والشعور الجَمْعيّ في جميع عباداتنا ومعاملاتنا؛ فإلى جانب الحسّ الفرديّ والمسؤوليّة الشخصيّة تجاه أيّ حكمٍ شرعيّ ـ عبادةً كان أو معاملةً ـ لا مفرَّ؛ لكي تستقيم حياة المجتمع، ويكون في حركة تقدُّمٍ مستمرٍّ، وتطوُّرٍ دائم، وأمانٍ عامٍّ شاملٍ، لا مفرَّ من حضور الحسّ الاجتماعيّ والمسؤوليّة العامّة، المسؤوليّة عن النظام الاجتماعيّ العامّ، في مختلف الميادين.