خلاصه ماشینی:
"و أن الدیانات القدیمة انما کانت تخاطب الناس فی فتراتهم الاولی قبل ان یبلغوا أشدهم،و یصلوا الی مرحلة النضج الذی نحن بصدره و هذا النضج لم نذکره الامن باب التجوز اذ لا نقصد منه الا الادراک العقلی الذی یؤهل البشریة لان تعقل ذاتها و تعی ما حولها من ظروف و ملابسات،و تفکر فی وضعها ازاء ما یحبط بها من واقع حاضر،و ما ینتظرها من غیب مجهول.
أما عن حقیقة النضج الاخلاقی و العاطفی و الاجتماعی و غیرها من الانواع التی لا یدرکها الحصر،فهی-فی مجموعها-تابعة للنضج العقلی،و بدونه تصبح أسماء بلا مسمیات،کما أنها أیضا معارف تحصیلیة لا تکتسب الا بالمران و الجهد،علی أیدی الانبیاء و المصلحین الذین جعلوا من أنفسهم أداة لخدمة الانسانیة،و الارتفاع بها من عبودیة الاوهام و الخرافة الی ذروة الحق و الخیر و الحریة.
و لو کانت هذه المعانی هی التی نقصد،لا نتفت الحکمة من الوحی و ارسال الانبیاء اذ ان البشریة لاتستطیع أن تصل الیها و تلم بحدودها و تفاصیلها-مهما تبلغ من تقدم فی میادین الفکر و الحضارة-ذلک لان لها ارتباطات بعالم الغیب،من منبعة تردد و من خزائنه تستمد.
أفکان شیء من ذلک یقع لو نزل القرآن بأسالیب لم یکونوا یفقهونها؟ لم یکن العرب فی عزلة عن الحرکات الفکریة المعاصرة لهم: فلنرجع الی التاریخ نستقرئه فهو یخبرنا بأن العرب-و ان کانوا أمة بدویة لم تأخذ بأسباب المدنیة-الا انهم لم یکونوا فی عزلة تامة عن الحرکات الفکریة فی البلاد المجاورة لهم.
الحریة التی عاش فی کنفها العرب کانت من اسباب نضجهم العقلی: و نحن-فی حدیثنا-لا نزعم أن العرب وحدهم من بین العالمین جمیعا قد اجتازوا بمرحلة الصبا الی سواء الادراک."