خلاصه ماشینی:
"*** و أیضا لا تعوزنا الأدلة علی أن ابن الهیثم یصح أن یوضع بین علماء الطبیعة فی فرقة علماء الطبیعة الاعتباریة،فابن الهیثم استقرأ أحکامه العامة عن خواص الأضواء،لا کما قد یظن أول وهلة بالمشاهدة القریبة المیسورة،و إنما استقصی البحث عنها بإجراء التجارب بالمعنی المفهوم الآن من لفظ«اکسپرمنت»و هو الذی عبر عنه بلفظ«الاعتبار»،فلم یکتف فی البحث عن کیفیة امتداد الأضواء مثلا بمشاهدة ما یحدث فی ضوء الشمس،بل أجری اعتبارات کثیرة اتخذ فی بعضها ثقوبا خاصة فی أوضاع هندسیة خاصة،و اعتمد فیها بیوتا مظلمة جعل الثقوب فی جدرانها،و حور اعتباراته و عدلها حتی تناولت البحث عن کیفیة امتداد الأضواء الذاتیة التی تنبعث من الأجسام المضیئة بذاتها کضوء الشمس و ضوء النار،و الأضواء العرضیة التی تشرق عن سطوح الأجسام الکثیفة التی تستضیء بضوء الأجسام المضیئة بذاتها،أو التی تستضیء بضوء عرضی یشرق عن سطح جسم کثیف آخر هو نفسه یستضیء بضوء ذاتی.
*** و أیضا لا تعوزنا الأدلة علی أن ابن الهیثم یصح أن یکون بین علماء الطبیعة من علماء الطبیعة التطبیقیة، فهو و إن کان همه الأول منصرفا إلی الدراسة و البحث للمعرفة المجردة أو للعلم لذاته،و یصرح هو نفسه بذلک و یقول بلفظه فی مقدمة کتاب المناظر: «فلعلنا ننتهی بهذا الطریق إلی الحق الذی به یثلج الصدر،و نصل بالتدرج و التلطف إلی الغایة التی عندها یقع الیقین،و نظفر مع النقد و التحفظ بالحقیقة التی یزول معها الخلاف و تنحسم بها مواد الشبهات»؛فإنه فی الوقت نفسه إذ تعرض له فی بعض بحوثه وجوه یمکن أن یستفاد منها عملیا أو نفعیا فإنه لا یغفلها."