خلاصة:
العصور الوسطی تسمیة أوربیة تعبر عن فترة رکود وظلام توسطت بین الحضارة
الرومانیة القدیمة والنهضة الصناعیة الحدیثة. وهذه العصور المظلمة فی أوربا کانت
عصور الازدهار والتمدن فی العالم الاسلامی. لکننا نستطیع أن نطلق اسم العصر الوسیط
علی العصر الذی تغیرت فیه اتجاهات العلوم والمعارف الاسلامیة، وتحددت لها صیاغات
مختلفة عما کانت علیه قبل ذلک، وتکونت فیه مرجعیات فکریة تمیزت بقدرتها علی التأثیر
لقرون متمادیة حتی عصرنا الراهن، ولابد من دراسة الفکر الاسلامی فی هذا العصر
الوسیط لمعرفة عناصره المؤثرة وأسباب حضوره المتواصل. والغزالی وابن تیمیة هما من
أکثر المفکرین تأثیرا وحضورا فی منظومات الفکر السنی خلال العصر الوسیط وحتی
العصور اللاحقة.
ملخص الجهاز:
"وهناک من المعاصرین کالدکتور «محمد سعید رمضان البوطی» الذی دافع بشدة عن تلک المقدمة، واعتبر أن «الغزالی» قد «صاغ فی تلک المقدمة منهجا علمیا للمعرفة، متحررا وبعیدا عن المنطق الیونانی، وهو ذلک المنهج الإسلامی الذی تعتز به حضارتنا العربیة والإسلامیة أیما اعتزاز»(32)، وانتقد الذین اعترضوا علی تلک المقدمة وقال عنهم «أغلب الظن أن هؤلاء لم یقرأوا شیئا من هذه المقدمة التی افتتح بها الغزالی کتابه المستصفی، ولم یزیدوا عن أن استعرضوا عناوینها، فشموا منها رائحة المنطق الیونانی حسب ماخیل إلیهم، أو رأوا فیها بعض اصطلاحاته الشائعة، فضاقت بهم صدورهم، وأعرضوا عنها، بعد أن حکموا علیها حکما غیابیا دون قراءة مبصرة»(33).
وقد لمس «أبو الحسن الندوی» من آراء «ابن تیمیة» فی نقد ونقض المنطق نوعا من التطرف والمغالاة، إلا أنه حاول الدفاع والتبریر لمثل تلک المواقف والأفکار، لأنه لا یرید أن یقدم نفسه ناقدا لابن تیمیة، وهو الذی بالغ فی منزلته واعتبره مجددا لعلوم الشریعة وباعثا للفکر الإسلامی، وعن دفاعه أو تبریره یقول «الندوی» «إن قدسیة المنطق وعظمته التی کانت تسیطر علی عقل العالم الإسلامی من بعد القرن الخامس - أی من بعد الغزالی - أصیبت بصدمة، فإن أوساطنا الدراسیة والعلمیة قد أولعت بالمنطق وأعجبت به إلی حد المغالاة والمبالغة، ویمکن أن یقدر هذا الإعجاب بالمنطق من لم یکن له معرفة المنطق، فإنه یعتبر أجهل شخص وأحمق رجل لدی أهلها بالرغم من جمیع ما یحمله من علم وفضل وذکاء، وقد ظل المنطق والفلسفة یعرف فی الهند إلی مدة طویلة باسم العقلانیة، کما أن کتبهما کانت تعرف باسم کتب العقل، وکان من الطبیعی أن یوجد هناک، رد فعل عنیف ضد هذا الغلو، فقد یکون سببا للفکر المتزن فی هذا الموضوع، وینال هذا العلم مکانته الصحیحة من أجله»."