خلاصة:
بعد اختلاط العرب بالعجم، وكثرة شيوع اللحن، حاول اللغويون أن يضعوا قواعد خاصة للغة العربية تسبب عصمة لغة القرآن وتيسير تعليمها. ولكن سرعان ما أدّت مسألة التقعيد إلى التعقيد؛ فأثقلت الاختلافات كاهل اللغة العربية فضاعت الغاية من وضع النحو، فقام بعض النحاة بتأليف كتب حول هذه الاختلافات. من أهّم هذه الكتب وأشهرها كتاب «الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين: البصريين والكوفيين». قام ابن الأنباري بدراسة 121 مسألة من مسائل الخلاف المشهورة بين المدرستين فيه، وحاول أن يتّبع أصولاً خاصة في تأليفه والردّ على من لا يرى الحق بجانبه. فبذل قصارى جهده لكي يسلك طريق الإنصاف في حكمه. لكنّ وقوفه إلى جانب البصريين في أكثر هذه المسائل جعل الدارسين يشكّون في إنصافه ونزاهته إذ هم لا ينكرون قيمة هذا الكتاب.تستهدف هذه المقالة على أساس المنهج الوصفي ـ التحليلي دراسة طريقة ابن الأنباري في تأليف كتابه هذا، ومدى إنصافه، واستقصاء أصوله الخاصة التي يعتمد عليها في ردوده. فنرى أنّه يؤلّف كتابه بأسلوب خاص أخرج النحو من الجفاف إلى المائية والتندية. فوضع فروعاً خاصة لكل أصل، واستدلالاته تتصف بالقوة والضعف أحياناً في حسم مسائل الخلاف.
ملخص الجهاز:
"فضلا عن هذا التعریض الذی یدل علی عدم استقصاء کلام العرب من جانب الکوفیین نراه فی مسألة 45 (المنادی المفرد العلم معرب أو مبنی) التی ذهب الکوفیون إلی أن الاسم المنادی المعرف المفرد معرب یرفع بغیر تنوین بلا رافع (ینظر: المصدر نفسه، ص323)، یرد علیهم صارخا: «وکیف رفعتموه ولا رافع له؟!
فهذا ما یصرح به ابن الأنباری فی مسألة 25 (القول فی زیادة لام الإبتداء فی خبر لکن) عندما یشیر إلی اختلاف «إن» و«لکن» ردا علی الکوفیین: «الذی یدل علی أن «لکن» مخالفة؛ لأن فی دخول اللام معها أنه لم یأت من العرب فی کلامهم دخول اللام علی اسمها إذا کان خبرها ظرفا أو حرف جر نحو «لکن عندک لزیدا»، أو «لکن فی الدار لعمرا»، کما جاء فی «إن»، فلما لم یأت ذلک شیء من کلامهم ولا نقل فی شیء من أشعارهم دل أنه لا یجوز دخول اللام فی خبرها» (المصدر نفسه، ص217).
ولکن العجیب أن ابن الأنباری یرد علی الکوفیین فی هذه المسائل، ولا یعترض علی البصریین أی اعتراض مع أنه قد صرح بأنه من أضعف الأدلة، وهذا التصریح ما نجده فی الإنصاف مرة أخری فی مسألة 14 (نعم وبئس أفعلان أم اسمان) عندما یتعرض لاحتجاجات البصریین: «ومنهم من تمسک بأن قال: الدلیل علی أنهما فعلان ماضیان، أنهما مبنیان علی الفتح ولو کانا اسمین لما کان لبنائهما وجه، إذ لا علة هاهنا توجب بناءهما، وهذا تمسک باستصحاب الحال وهو من أضعف الأدلة» (المصدر نفسه، ج1، ص111-112)."