ملخص الجهاز:
"إلا أنه فی الوقت عینه، یجب الأخذ بعین الاعتبار أن مراعاة الإسلام للمصلحة لم یکن أمرا مرسلا غیر خاضع لأی قانون أو قاعدة مما أمازه عن الاتجاه المنفعی الصرف (Utilitarianism)، بل إن النـزعة التی سرت فی أوساط أهل السنة أنفسهم، انطلاقا من توظیف آلیات "المصالح المرسلة"، لم تنجر إلی مثل هذا الاتجاه المنفعی نتیجة قیامها علی جملة من القواعد والضوابط التی تحول دون تخطیها، فلم یلق فقه السنة مصیرا کهذا أیضا، أما فی الفقه الشیعی فلم تکن المصلحة أساسا تقوم علیه عملیة استنباط الأحکام الشرعیة، وإنما أسالیب ومنافذ وطرق، أو فلنقل مفاتیح آلیات یعتمد علیها الحاکم الإسلامی وفقا لصلاحیات منحت لـه، وذلک لکی یستفید من توظیفها فی الحالات الضروریة والحساسة بغیة حفظ الاجتماع الإسلامی ونظامه وفقا لشروط خاصة، وهذه المقدمات الاحتیاطیة هی التی تحول دون السقوط فی مزالق النـزعة العقلیة، أو المنـزع التحولی، أو الاتجاه المصلحی والعرفی، ومن ثم تمنح هذا الدین عناصر الوقایة دون نفوذ مثل هذا الخطر إلیه، أی خطر علمنته بأحد المعانی السلبیة.
هذه النظریة المسماة بنظریة الحقیقة الثنویة تمثل العمود الفقری لتکون الرشدیة، فابن رشد یضع العقل فی مرتبة أعلی من الوحی فی نیل الحقیقة المطلقة، رغم اعتقاده أیضا بضرورة الدین وتأثیره علی عامة الناس أبلغ بمراتب من الفلسفة، إنه یقول فی ضرورة اجتماع المعرفة العقلیة والدینیة فی الاجتماع الإنسانی بأن الخلائق متنوعون، ولذلک لزم لإقناعهم ــ وفقا لرتبهم فی الوعی ــ استخدام مناهج احتجاجیة ثلاثة هی: الأسلوب الخطابی الذی یستخدمه الخطباء، والأسلوب الجدلی الذی یتبناه المتکلمون، ومنهج البرهان الضروری الذی أعمله الفلاسفة، وثمة استنتاجات أکثر تعادلا مستوحاة من نظریته، حیث یذهب ابن رشد إلی وحدة مجال العقل والوحی، ولیس ثمة إثنینیة ما بین الحقائق الدینیة والمکتشفات العقلیة، ویری سید حسین نصر أن أرسطیة ابن رشد الأصیلة والإفراطیة فی الوقت نفسه حالت دون اشتهار فلسفته فی أوساط المسلمین."