ملخص الجهاز:
ويُلاحظ عليه: إن العقل لا يحكم بالقبح إلاّ في فرض الظلم، ولذلك لا يصدق في هذا الفرض؛ لأن حياة الناس لا تتوقّف على عدم الاحتكار، بحيث يؤدّي إلى هلاكهم، بل غاية ما في الأمر أنهم في حاجة إلى الأجناس المحتكرة؛ لقلتها في السوق.
ولكنّ الكلام في وقوع المعارضة بينها وبين الطائفة الأولى وعدمه، فهل يجمع بينهما بحمل الطائفة الأولى على الثانية من باب حمل المطلق على المقيّد، أو يحمل الطعام على الفرد الغالب؛ لكونه أبرز المصاديق التي يحتاجها الناس في ذاك الزمان؟ وعلى فرض كون نتيجة الجمع بينها هو حرمة احتكار خصوص الطعام يقع الكلام في اختصاصه بالحنطة؛ لعدّه من معانيه لغةً، مضافاً إلى استعماله في بعض الروايات أيضاً،أو عمومها لكلّ ما يطلق عليه عنوان الطعام أو القوت والغذاء؟ ولكنّ الصحيح أنّ كلمة الطعام في اللغة أُطلقت على ما هو أعمّ من البرّ، وكذلك الأمر في الكتاب والسنّة أيضاً.
وممّا يشهد لذلك أمران: الأوّل: إنه لو كان الحصر حقيقيّاً فما معنى عدم تعرُّض رواية غياث بن إبراهيم لذكر الزيت الذي صرَّحت به صحيحة الحلبي؟ الثاني: الاضطراب الموجود في متون الأخبار، حيث قال: «فهذا الاضطراب في متون الأخبار كاشفٌ عن أن المراد منها ـ على فرض تقدير صدورها ـ ليس الحصر الحقيقي، وإنما هو الإضافة إلى أصنافٍ أخرى من الطعام لم تكن في وقت صدور الخبر، أو ما كانت ذات أهمّية بالنسبة إلى حياة الناس ومعاشهم»( ).
وتقريب الاستدلال بها أن الإمام× علَّل حرمة احتكار الطعام في حال عدم وجود الطعام بالمقدار الذي تتحقّق به الكفاية (بناء على استفادة الحرمة منها) بأمر ارتكازي عند العقلاء، وهو السعة والضيق، فجعل مفهوم الاحتكار يدور مدار الحاجة وجوداً وعدماً.