ملخص الجهاز:
وفُسِّرت هذه النظريّة بأنّ الراوي لا يمكن الأخذ بخبره إلاّ إذا كان عادلاً يعمل بالواجبات ويترك المحرَّمات، لا أنه يعمل بالصدق ويترك الكذب فقط، بل يتطوّر مفهوم العدالة عندما يؤخذ الاعتقاد الحقّ جزءاً من العدالة، ممّا يعني أنه لم يعُدْ يمكن للشيعي الإمامي مثلاً الأخذ بالروايات التي فيها ولو راوٍ واحد من أهل السنّة بمذاهبهم، بل ومن الشيعة غير الاثني عشريّة، كالواقفيّة والفطحيّة والكيسانيّة والناووسيّة والزيديّة والإسماعيليّة و...
ولهذا لا بُدَّ لنا من معرفة أيٍّ من هذه الأقسام الأربعة حجّة، وأيّها ليس بحجّة؟ والبحث في معيار حجِّية الخبر، هل هو الوثاقة أو العدالة؟ يقع في نقطتين أساسيّتين: النقطة الأولى: هل المأخوذ في أدلّة حجِّية خبر الواحد شرط الوثاقة أو العدالة؟ وكيف يمكن الجمع بين هذه الأدلّة؛ للوصول إلى نظريّة في المقام؟ النقطة الثانية: على تقدير أخذ شرط العدالة، هل الاعتقاد الحقّ شرطٌ في العدالة أو لا؟ أي لو كان الراوي فاعلاً للواجبات تاركاً للمحرَّمات بحسب اعتقاده فهل يكفي هذا في نعته بالعدالة، أو يشترط في ذلك كونه عند الشيعي ـ مثلاً ـ شيعياً إمامياً يعتقد بالمذهب الاثني عشري؟ xii.
وليس بحثنا هنا كلامياً حتّى نتوسَّع فيه، فقد عالجنا هذه المسألة في دراساتٍ أخرى، كما في كتابنا (التعدُّدية الدينيّة)، لكنّنا ـ سريعاً ـ نشير إلى ملاحظاتٍ نقديّة: الملاحظة الأولى: إنّ الدليل الذي ساقه علماء أصول الفقه الإسلامي على حجِّية القطع ـ بما يشمل القطوعات الذاتيّة ـ لا يفرَّق في روحه بين أن يكون الموضوع المقطوع به عملياً أو اعتقادياً نظرياً فيه جانب ثواب وعقاب، فإذا كانت الحجِّية والمعذِّرية لازماً ذاتياً للقطع فهذا معناه أنها لا تنفكّ عنه؛ لأنّ هذا هو معنى اللازم الذاتي، وإلاّ لو انفكّت عنه في القضايا العقائدية أو غيرها لم تكن لازماً ذاتيّاً، فحجِّية القطع لا تمييز فيها بين العقيدة والفروع العمليّة.