خلاصة:
تعدّ مسألة التعدد الثقافي في النص التراثي العربي مسألة معقدة جدًا لمافيه من مرجعيات فكرية وإيديولوجيات متعددة، خاصة ما يطرحة النص من إشكاليات مختلفة تؤسس لمرجعيات وفلسفات ذات توجه ثقافي مزدوج وبشكل خاص إذا كان النص يحمل في طياته لأكثر من ثقافة،وهذا فعلا ماوجد في أدب الرحلات،و كتاب ألف ليلة وليلة،و البخلاء للجاحظ،وكتاب كليلة ودمنة وغيرها من المؤلفات ذات التفرع الثقافي المتعدد، وهذا في ماخلق في ذهن المتلقي خلخلة ثقافية كبيرة من خلال تعريفه لثقافات أمم متعددة محيطة به يتأثر بها ويُؤثر فيها.
وتبقى القراءة النقدية الثقافية بحاجة ماسة إلى ناقد متمرس يعيد للنص مرجعياته الفكرية والفلسفية التي تبقى في أغلب الآحايين عصية على النقد مما يخلق تشويشا ابستمولوجيا في فهم الدلالات والأنساق المضمرة التي تحملها النصوص المراد استنطاقها وتأويلها بصورة واعية،ولعل هذا المأزق النقدي جعل من النقد الثقافي بين أخذ ورد في الاستعانة به في قراءة النصوص الأدبية بين العديد من النقاد على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم.
ملخص الجهاز:
تمثلات الأنساق الثقافية في الرحلة: لقد تجاوزت الدراسات النقدية الثقافية التي تناولت التراث العربي بمختلف أشكاله وأنواعه حدود الثقافة العربية بحثًا عن العالمية لما يحمله من بذور التجربة الإنسانية كمحفز حقيقي لحوار الثقافات/الحضارات تاريخيًا،ومنه وهذا ماحققه أدب الرحالات عبر التاريخ من دور حاسم في تحقيق التقارب الفكري والمعرفي بين مختلف الثقافات الإنسانية،وعليه قدم أدب الرحلات للمجتمع المعرفي في الثقافة العربية مادةً خامًا بحاجة إلى وعي نقدي أكثر جرأة،ومنهجًا أكثر شمولية لتقديم قراءة تستحق من المتلقي متابعتها،والتعاطي مع منهجها دون خلل منهجي،فكان المنهج النقدي الثقافي من خلال التنقيب في التراث العربي عن الأنساق و التمثيلات المضمرة في عديد النصوص الأدبية من خلال الكشف عن سيروروتها التي تخفي زاوية رؤية مغايرة عن ظاهر الحديث، ومع ذلك تبقى مسألة المنهج تؤرّق الناقد/المتلقي أثناء قراءة النص،وخاصة في أدب الرحلات الأمر الذي دفع بالنقد الثقافي للبقاء عاجزًا أمام العديد من النصوص التراثية، وتحديد منهجية القراءة، والتحليل لأنساقها النصية لعدم دراية سابقة بالمنهج وآليات القراءة،وهذا فعلا ما وجدناه في أدب الرحلات من صعوبات جمّة في الإحاطة التامة بأنساقه المضمرة،ولعل هذه الأنساق قدم عددناها كالآتي: 1- نسق الدولة/المملكة: إذا عدنا إلى هذا النسق وجدنا أنّ عاصمة الدولة العباسية (بغداد) بكل ماتملكه من شرعية مطلقة على العالم الشرقي والغربي،فجعلها مركزية القرار في كل ماتراه مناسبًا لصالح الدولة العباسية وهيبتها العسكرية والسياسية،وهذا ماكان في عهد الخليفة العباسي(أبو الفضل جعفر بن المعتضد المقتدر بالله)،مع أحد ملوك العالم الغربي القديم الوثنيين المسمى بـــ (ألمش بن يلطوار)،فكانت العلاقة السياسية في مجتمعه مبنية على الغلبة والقوة مما جعل هذا الأخير يطلب المدد من الخليفة العباسي في بسط الإسلام والنظام القائم على العدل والأخوة، والتسامح في دولته والخلاص من عبادة الأوثان إلى عبادة الله،وهذا ما أشارت إليه الرحلة،حيث يقول فيها:" ولما وصل كتاب ألمش بن يلطوار ملك الصقالبة إلى أمير المؤمنين يسأله فيه البعثة إليه ممن يفقه في الدين ويعرفه شرائع الإسلام ويبني له مسجدًا وينصب له منبرًا ليقيم عليه الدعوة له في بلده وجميع مملكته ويسأله بناء حصن يتحصن فيه من الملوك المخالفين له فأجيب إلى ما سأل عن ذلك" ().