ملخص الجهاز:
كما نجد ذات هذا الإشكال في مجال الاجتهاد والتقليد في الفقه والأصول أيضاً، بحيث لا يمكن العثور عليه في المؤلَّفات الفقهية والأصولية والدراسات المنهجية بشأن «رجوع الجاهل إلى العالم»؛ فإن أكثر العلماء في هذين العلمين قد استندوا إلى مرتكزاتهم الشخصية، وعملوا على تطوير أبحاثهم من خلال دعوى البداهة والضرورة وأمثال ذلك، أو ذكر الأدلة التمثيلية والنقضية، وأقاموا نتائجهم على هذا الأساس( ).
في حين قال عالمٌ آخر في هذا الشأن ما معناه: «حيث يقوم بناء العقلاء على ذلك [تقليد غير الأعلم] فإنهم لا يختلفون في الرجوع إلى أصحاب الخبرة في مختلف الأعمال، والحاجة إلى ذوي الصناعات، رغم علمهم بوجود الخبير الأكفأ»( ).
وجه حجّية التمسّك ببناء العقلاء في رجوع الجاهل إلى العالم قبل الدخول في صلب البحث يجب الخوض في الإشكال العامّ الموجود على التمسّك ببناء العقلاء في «رجوع الجاهل إلى العالم»، وهو الإشكال القائل: إن مجرّد إثبات وجود هذا البناء من العقلاء لا يكفي للحكم بجواز هذه السيرة ونسبتها إلى الشارع المقدَّس؛ إذ بالالتفات إلى ردع الشارع عن الرجوع إلى بعض المتخصّصين، من أمثال: السحرة والمشعوذين والكَهَنة والمنجِّمين، لا يمكن اعتبار هذه السِّيَر ممضاة من قبل الشارع بمجرّد وجودها.
وفي الحقيقة فإن الجاهل في هذا المورد يطالب العالم بحصيلة علمه بشكلٍ عامّ (وليس بشكلٍ خاصّ وعلى نحو تشخيص المصداق)، كما هو الحال في رجوع المكلَّف إلى المجتهد.
كما نجد نماذج أخرى لهذا النوع من رجوع الجاهل إلى العالم في الرجوع إلى كلام اللغوي، والرجوع إلى الخبير القانوني في الاستشارة القانونية (وليس لقبول الوكالة من الوكيل)، والرجوع إلى الطبيب للسؤال عن علائم مرضٍ خاصّ (من قبيل: الأسئلة التي يطرحها أهل وأصحاب المدمن على المخدّرات عند مراجعة الأطباء).