خلاصة:
یتعرّض الکاتب فی مقالته الی شبهة التّهافت بین النّظریّة والتّطبیق فی الخطاب الدّینیّ، فیبدا بعرض النّظریات فی تحدید المعیار الاساس الّتی تبنی علیه تهذیب سلوکیّات المجتمع، فیذکر ثلاث نظریّات: القانونیّة، والذّاتیّة، والعقدیّة الدّینیّة، ثمّ ینقد نظریّة القانون والذّات فیخلص الی تمامیّة النّظریّة الدّینیّة، ثمّ یورد اشکالات علی النّظریة الدّینیّة من تهافت وتفرقة بین الشّعوب ومساعدة علی الجریمة، ویرجع الکاتب منشا الاشکالات الی الفهم الخاطئ او القاصر للدّین ووجود موانع بشریّة.
ملخص الجهاز:
وقد وقع الخلاف الشّديد بين المنظّرين في تحديد ما يهذّب السّلوك الاجتماعيّ، ولا شكّ أنّ النّظريّة السّائدة في أوساط المجتمعات الإسلاميّة –والدّينيّة بشكل عامّ- هي نظريّة الميزان الدّينيّ والعقَديّ في ضبط السّلوك، وإنّ أعظم وسيلة تفعّل هذا التّنظير كانت –ولا زالت- هي وسيلة الوعظ، والإرشاد، والتّنظير، عبر المحاضرات، والمجالس، والنّدوات، وغيرها من الأنشطة الّتي يسيّرها ما يمكن أن نسمّيه بالخطاب الدّينيّ، مادّةً، وهيئةً، فهو –بعنوانه العريض- الوسيلة الأولى القديمة الحديثة، المستمرّة، رغم متغيّرات الظّروف والزّمان، إلّا أنّها حافظت على نفسها كوسيلة عظمى لبناء الذّات، والمجتمعات، فكريّاً، ومن ثمّ أخلاقيّاً وسلوكيّاً، فإن كان ثمّة خلل في الانعكاسات، والآثار، فلا شكّ أنّ نصيباً كبيراً من هذا الخلل مرجعه إلى طريقة تفعيل هذه الوسيلة خاصّة، إمّا من جهة مادّتها، وإمّا من جهة أسلوبها، أو هما معاً..
من هنا نجد أنّ هذه النّظريّة قد مُنيت ببعض الإشكالات النّقضيّة، والّتي صارت تهدّد الثّقة في الدّين، وتزعزع القناعة به عند بعض المنبهرين بالثّقافة الغربيّة التّحرّريّة، وذلك انطلاقاً من السّؤال القائل: إذا كان الدّين هو الميزان في تهذيب سلوكيّات المجتمع، فما هو السّبب فيما نلحظه من فجوة كبيرة في المجتمعات الدّينيّة بين الأصول الاعتقاديّة الّتي يدعو إليها الدّين في أدبيّات خطابه، وبين السّلوكيات العامّة الّتي تحكم تلك المجتمعات؟!
أوّلاً: في عرض النّظريّات هناك عدّة نظريّات حاولت أن تعطي إجابة على السّؤال القائل: ما هو الميزان الّذي يتمكّن من ضبط الأخلاق، وتهذيب السّلوك في المجتمع؟ وأذكر منها ثلاثاً: النّظرية الأولى: الميزان القانونيّ وحاصل هذه النّظريّة: أنّ القانون نفسه -وبغض النّظر عمّا يعبّر عنه من مصالح ومفاسد- قادر على ضبط السّلوك الاجتماعيّ، وذلك بفرضه لتنظيم التّوجّهات السّلوكيّة لدى المجتمع عبر إجراءات مراحله الثّلاث: التشريعيّة أوّلاً، والتّنفيذيّة ثانياً، والقضائيّة ثالثاً، فتتمّ بذلك عمليّة التّهذيب للسّلوك الاجتماعيّ، سواء شكّل هذا القانون بالنّسبة إلى أفراد المجتمع قناعة أم لا، فليس ذلك بالأمر المهمّ، ما دامت النّتيجة على الأرض هي انضباط هذا السّلوك.