خلاصة:
فی مجال البحث عن طبیعة العلاقة القائمة بین العلوم الإنسانیّة وتطوّرها من جهة، والاجتهاد من جهة أخرى؛ تُطرَح مجموعة من الأسئلة؛ مفادها: ما الأثر الذی تترکه هذه العلوم على الاجتهاد وحرکته، عندما تبادر إلى إنتاج رؤى ونظریّات مختلفة، ترتبط بالشّأن الدّینیّ من قریب أو بعید؟ وهل یمکن أن یکون سیر العلوم الإنسانیّة أمراً مفیداً ومحفّزاً للاجتهاد وإنتاجیّته؟ وکیف یمکن أن یستفید الاجتهاد من تطوّر تلک العلوم، بما یجنّبه أکثر من إسقاط معرفیّ یمکن أن یمارَس فی هذا السّیاق؟
وقدظهرت نظریّتان أساسیّتان فی بیان العلاقة بین العلوم الإنسانیّة والاجتهاد: الأولى منهما تنظر إلیها على أنّها علاقة قطیعة وتباین، بینما تنظر الأخرى إلیها على أنّها علاقة تفاعل وتواصل، وتتعاطى معها إمّا وفق منهجیّة إسقاطیّة، وإمّا وفق منهجیّة استنطاقیّة ترتکز على بعدین: الأوّل یتّصل بعلم کلام النّصّ (ما هی انتظاراتنا من دلالات النّصّ الدّینیّ ومعانیه؟ ما هو اعتقادنا فیما یرتبط بالمخزون المعرفیّ للنّصّ الدّینیّ ودلالاته المعرفیّة؟ وهل یحتوی ذلک النّصّ على جمیع تلک الرؤى والأفکار التی ترتبط بمجمل أبعاد الإنسان الاجتماعیّة وغیر الاجتماعیّة؛ بما یتّصل بهدایته العامّة وسعادته فی الدّارین أم لا یحتوی على ذلک؟)، والآخر یتّصل بعلم کلام الاجتهاد (ثلاثیّة: المجتهد/ النّصّ/ المنهج).
والمطلوب فی مجال التفاعل المعرفیّ بین الاجتهاد من جهة والعلوم الإنسانیّة من جهة أخرى؛ هو تحویل معطیات العلوم الإنسانیّة ونتاجاتها إلى معاول معرفیّة، تسهم فی الحفر فی بطون النّصّ الدّینیّ وطبقاته المعرفیّة، وهو یمکن أن یحصل بمعزلٍ عن أیّ اعتبار آخر، معرفیّاً کان أم غیر معرفیّ؛ لأنّ المهمّ هو صناعة تلک المعاول الفکریّة بشکل علمیّ وتوظیفها بشکلٍ موضوعیّ، من دون ممارسة أیّ هیمنة فکریّة، أو إسقاط معرفیّ، أو توظیف أیدیولوجیّ. ویبقى على الفقیه المجتهد أن یمتلک من الحصانة الفکریّة، ومن الأدوات المنهجیّة، ومن القدرات العلمیّة والثقافیّة والنفسیّة، ما یحصّنه من أیّ هیمنة فکریّة، قد تمارس بحقّه، ویحمیه من جمیع المحاذیر المعرفیّة والفکریّة؛ عبر مجموعة من المحدّدات والضوابط المنهجیّة.