خلاصة:
كثيرًا ما كان للشخصيات والقصص الدينية من الغنى والثراء ما يجعل الأدباء المعاصرين يلجؤون إليها لإغناء مدلولاتهم، وقد يقع هذا تحت مسمى التناص، لكن لو اقتدى هذا التوظيف بالأصل دون مغايرة لخلا من أي طابع أدبي، ولهذا نرى الأدباء يعمدون إلى الاستلهام من ذلك التراث وإجراء انزياحات تتناسب مع أفكارهم، مبتعدين بذلك عن التقليد المحض. ولعل من بين الأعمال الأدبيّة التي يلحظ القارئ بشدة ما تخفيه بين طياتها من تناص وتوظيف للقصص الدينية عامة والإسلامية خاصة وشخصياتهما قصّة "المعصوم الثّاني" للكاتب الإيراني "هوشنك كلشيري" من مجموعته القصصية "نمازخانه کوچک مَن" [مُصلّاي الصغير] التي نُشرت في العام 1364ش [1986م]، فتوظيف التراث فيها يكون ظاهرًا أحيانًا وخفيًا أحيانًا أخرى، وقد استطاع الكاتب فيها أن يحافظ على أصالة النّصوص التي تعالقت مُشكِّلةً قصته، وأن يكسبها طابعًا من التّجدّد في آن واحد، كما ميّزها بخصوصيات تُناسب هدفَه من النزوع إلى التوظيف أو التناص. يقوم هذا البحث وفقًا للمنهج التّحليليّ الوصفيّ المكتبيّ على تتبع التوظيف التراثي الإسلامي ممثلًا بالتناص في قصّة "المعصوم الثّاني" لكشف التعالقات الدّينيّة الخفيّة فيها والظّاهرة، وهو ما يشكل فرضًا لبحثنا، وكان مما توصّلنا إليه أنّ قصة كلشیري تداخلت بعمق مع واقعة عاشوراء، وقد تشعّب التوظيف التراثي الديني فيها بين داخل النص وخارجه، من خلال الأحداث والشخصيات من جهة، والعنوان من جهة أخرى، كما أفاد الكاتب من تناص خفي مع قصة النبي آدم (ع)، وانحصر التوظيف حينها بداخل النص فقط، وقد أجرى -في ذلك كله- مغايرات وانزياحات عن الخط الرئيسي للأصل التراثي تماشيًا مع أهدافه الفكرية، وقد حقّقت انزياحاته الانسجامَ الفنيَّ والمعنويَّ مع النّص الجديد فحقّقت بذلك تجديدًا لا يخلو من الأصالة.
ملخص الجهاز:
com التّحليليّ الوصفيّ المكتبيّ على تتبع التوظيف التراثي الإسلامي ممثلًا بالتناص في قصّة "المعصوم الثّاني" لكشف التعالقات الدّينيّة الخفيّة فيها والظّاهرة، وهو ما يشكل فرضًا لبحثنا، وكان مما توصّلنا إليه أنّ قصة كلشیري تداخلت بعمق مع واقعة عاشوراء، وقد تشعّب التوظيف التراثي الديني فيها بين داخل النص وخارجه، من خلال الأحداث والشخصيات من جهة، والعنوان من جهة أخرى، كما أفاد الكاتب من تناص خفي مع قصة النبي آدم (ع)، وانحصر التوظيف حينها بداخل النص فقط، وقد أجرى -في ذلك كله- مغايرات وانزياحات عن الخط الرئيسي للأصل التراثي تماشيًا مع أهدافه الفكرية، وقد حقّقت انزياحاته الانسجامَ الفنيَّ والمعنويَّ مع النّص الجديد فحقّقت بذلك تجديدًا لا يخلو من الأصالة.
أسئلة البحث تتلخّص أسئلة البحث في ما يأتي: - كيف تجلّى توظيف التراث الإسلامي بأشكاله في قصّة المعصوم الثّاني؟ وما هي القصص التي حققت التناص معها تحت العنوان نفسه؟ - ما هي المفارقات والانزياحات التي أجراها هوشنگ كلشيري في قصته والتي تميّز مسارها عن القصص الموظفة فيها؟ وما هو هدفه منها؟ فرضيّة البحث في ما يتعلق بالسّؤال الأول فإنه يقوم على فرضيّة أنّ الكتّاب جميعًا من دون استثناء استلهموا من التراث القديم الشعبي والأدبي والتاريخي والديني في أعمالهم الأدبيّة، وهذا لا يعني ضعفًا في العمل الأدبيّ على الإطلاق، بل يُظهر قدرة الكاتب على عكس الثّقافات في عمله الأدبيّ وفي تحويلها بما يتناسب معه، وكلشيري لا يُستثنى من هذه القاعدة، فأعماله عامّةً -وقصّة المعصوم الثّاني خاصّةً- استلهمت من التراث الإسلامي قصصًا وشخصيات بشكل خفيٍّ أو جلي، وذلك أنّ كلشيري من الکتّاب الذین عکسوا ثقافة المجتمع الدّينيّة والتّاريخيّة والمعتقدات الشعبيّة وغير ذلك بكثرة في أعمالهم، فكان لقصّته المذكورة نصيب لا بأس به من هذا الانعكاس.