ملخص الجهاز:
"فالعرب مع إغراقهم فی الحریة , وعدم استکانتهم لاستبداد الخلفاء فی مبدأالأمر فاتهم أن یجاروا فی وضع قواعد الدولة ، وتأسیس أصول الحکومات ذاتالصبغة الدستوریة کالجمهوریة والقنصلیة والحکومة المعتدلة أقرب الأمم جورا لهمیومئذ وهم الرومان واستمروا راضخین لحکم التنازع باسم الدین ، ولما انصبغتدولتهم بالصبغة الأعجمیة ، وأخذوا عن الفرس و الروم ، ما أخذوه من ضروبالمدنیة , وأصبحوا فی حاجة إلی حکومة أرقی تنزع بها ید الخلیفة من القبض علیکل شئون الدولة بیده القاهرة ، وتوزع الوظائف علی المقتدرین علی القیام بأعبائهالم یتمکنوا من تغییر طرز الحکومة ، والنظر فی مستقبل حیاتهم السیاسیة لأنهاصارت حیاة دینیة , هذا مع إیغال الخلفاء فی الظلم واستئثارهم بالسلطة ,فاضطروا العلماء إلی وضع قوانین خاصة برسوم الخلافة ووظائفها کقوانین الوزارةوالقضاء وأشباهها لتغل ید الخلفاء عن الاستبداد مع تحری إسنادها إلی الدین تبعالصبغة الحکومة الدینیة ، ولکن لم تکن تلک القوانین فی نظر الحکومة یومئذ إلاشیئا تعبدیا لإسنادها إلی الدین , والتعبد أمر وجدانی لا یکون إلا ممن أخلص للهحق الإخلاص ولیس وراءه من قوة الإکراه ما یدعو إلی العمل به قسرا کما یکونذلک فی الحکومات الدیمقراطیة التی لا توکل إلی سیطرة الوجدان ، بل إلی سیطرةالقوة ، ومن ثم تغلغل الفساد فی جسم الحکومات الإسلامیة ورضخ لها المسلمونبحکم الدین وباستدارج الوضعیین بمثل قولهم : ( أدوا للأئمة حقوقهم وسلوا اللهحقوقکم ) حتی صاروا لا یعرفون أصلا من أصول الحکومات العادلة ، ولا مخرجامن ضیق الاستبداد ، وتأصل فیهم روح الخضوع المطلق ، والطاعة العمیاء ،وناهیک بمثل هذا الروح الذی یسلب الإنسان قوة الإرادة ، ویضعه بمنزلة الأطفالالذین لا یعرفون محرکا لهم غیر الوالدین ، ولا یألفون إلا ما ألفه الوالدان ، ومن ثمترک المسلمون کل حول وقوة ، وکل اعتماد علی النفس ، وسعی إلی الترقی ونظرفی وجوه الاعتبار ، وأحالوا ذلک علی الأمراء والحکام ، فإذا نهضوا بهم نهضوا ،واذا قعدوا قعدوا ، بل تناهی بعضهم فی ضعف قوة الإرادة والتمییز لما ألفواالخمول ، وأنسوا بالجهل ، وتتابعوا فی العمایة فکانوا أعداء لمن یرید من الأمراءإصلاح أی شأن من شئونهم الاجتماعیة ، ومس أی عادة قبیحة من عوائدهمالموروثة ، وتاریخ الإسلام مشحون بمثل هذه الحوادث ، وآخر عهد بها ما بسطناهفیما تقدم عن أهل المملکة المراکشیة الذین یأبون کل جدید ."