ملخص الجهاز:
"وهذه أمم أوروبا تشعبت مجالسها ، وتنوعت مواضیعها ، تحمل إلینا الجرائد من أخبارها ما لا نکاد نصدقه لولا علمنا بوفرة معلوماتهم وکثرة مخترعاتهم ، فیوما نسمع بأن ذوی الشرکات التجاریة اجتمعوا للمداولة فیما یلزم اتخاذه لإنشاء بنک مالی یکون مرکزه فی إحدی الممالک الأسیویة مثلا ، فتطول بینهم المخابرة فی ذلک ، ویعلو صوت الخلاف بین أعضائها ، فمنهم من یرجح إنشاءه فی الأملاک الفلانیة من تلک القارة محتجا بأن فلاحی تلک الدیار یقترضون النقود بفوائد باهظة لاحتیاجهم وشدة فقرهم ، فتکون الثمرة أجزل والربح أوفر مما لو أنشئ هذا البنک فی إحدی الدیار الأفریقیة التی أصبحت لخصب تربتها ووفرة حاصلاتها وأخذ الأموال الأمیریة منها بتقسیط عادل لا تحتاج إلی استقراض من مالنا ، بل ربما إذا دامت لنا هذه الحال یتوفر لها کثیر من إیراداتها التی تقتدر بها علی إنجاز مشروعات عمومیة حتی تصیر بذلک معادلة لأعظم ممالک أوروبا فی الثروة والیسار ، فیجاوبه الآخر قائلا : إن الأجدر بنا أیها الشریک أن نعدل عن إنشائه فی أی مرکز من مراکز آسیا مطلقا إلی اتخاذه بدیار مصر ، وأما ما قیل من أن تخفیف الضرائب عنها مع حسن تربتها وکثرة إیراداتها یجعلانها غنیة عن الاستقراض ، فذلک إنما یکون لو رجع فلاحها عن سرفه وسفهه ، وإلا فما دام علی هذه الحال فإنه یکون أبدا مثقلا بدیوننا ، یقرع أبوابنا آناء اللیل وأطراف النهار ، ولو أثمرت أرضه ذهبا وعوفی من جمیع الضرائب سرمدا ، فإنه - علی ما یقال - رهن عند أحد البیوت المالیة فیها ما یجاوز العشرین فی المائة من أطیانها تأمینا علی ما أخذ منه من النقود فی مدة لا تزید عن العام کثیرا ، فیستحسن الحضور بیانه ، ویختم الجلسة بالعزم علی المشروع فیما قصدوا لیدرکوا من الربح مثل من سلفوا ."