ملخص الجهاز:
"و ربما کان من أهم أسباب انتصار الممالیک علی التتار فی مرج الصفر الخطة التی ساروا علیها حین علموا من أسراهم الذین فروا من وجوههم أنهم عازمون علی الفرار وقت السحر،فقد حملوا المیاه إلی أسفل الجبل و أحدثت وحلا کبیرا،و لما نزلوا فرقة بعد فرقة متعبین من شدة الجوع و العطش،فلم ینتبهوا لذلک الوحل،فعثرت الخیول و سقطت و سقط السلاح أیضا،فسهل ذلک للممالیک وضع السیوف فیهم، فکان هذا من أحسن التدبیر،و هذا ما یفهم من قول ابن خلدون2:«و قد اعترضتهم الأوحال بسبب الماء الذی وضعه لهم السلطان و الممالیک و وحلت خیولهم فیها، فاستوعبوهم قتلا و أسرا»کما یتضح أیضا من قول ابن تغری بردی3:«و قد کلت خیولهم،و ألقوا أسلحتهم و استسلموا للقتل و العساکر تقتل فیهم بغیر مدافعة»إذ لا یمکن أن یلقی المقاتل سلاحه و یقدم نفسه للقتل مهما کان الأمر.
ب-أثر النصر علی أهل مصر: و خرج الناصر محمد من دمشق ثالث أیام عید الفطر(702 هـ/1302 م)یرید مصر1،و کان قد وصلها بعض الفارین من القتال،فعم الخوف أهلها و ظن الناس أن الهزیمة لحقت بالجیش مرة ثانیة2،لکنهم سکنوا و اطمأنوا بعد أن وصل الأمیر بکتوت الفتاح3ببشارة النصر،فبدأ الناس یعدون الزینات ابتهاجا بالنصر و قدوم السلطان منتصرا،فنصبوا القلاع4،و أخرجوا الحلی و الجواهر و اللآلئ و أنواع الحریر،و مدت الأسمطة الفاخرة،و الأحواض الممتلئة بالسکر و اللیمون،و وصل الناصر محمد و الجیش یوم الثلاثاء(الثالث و العشرین من شوال 702 هـ/1302 م) فخرج الناس من جمیع الجهات لاستقبالهم،حتی بلغ کراء البیت الذی یمر موکب السلطان علیه من خمسین درهم إلی مائة،و لما وصل الناصر محمد باب النصر فی الجمالیة ترجل له الأمراء،و فرش کل منهم الشقق-الحریر و السجاد-من قلعته إلی قلعة الذی یلیه،ففرشت الأرض من باب النصر حتی القلعة5،فکانت القاهرة کما وصفها بیبرس المنصوری6:«فوصلها و قد زفت عروسا فی أبهی الحلل،و زینت زینة (1)ابن تغری بردی،«النجوم الزاهرة»(8/130-131)."