ملخص الجهاز:
"و أخیرا فإننا نلمس بوضوح،و من وراء هذه الإبداعیة الشعریة الهزیلة أزمة العقل الحدیث فی المنظور الشعری الذی أدی إلی خلخلة الأبعاد الحسیة و الروحیة الشمولیة للفرد المعاصر و أقام محلها أنظمة وهیاکل النسبیة و التجزیئیة و الروح التجریبیة التی سادت فی العالم الحدیث،و من وراء کل هذه التغیرات العقلانیة و الروحیة الکبری التی تمت بزعامة العقل الحدیث،فإن الهدم و التجاوز لأنظمة العقلانیة القدیمة قد تحقق بوتائر متسارعة، أحدثت شرخا عظیما فی دینامیات و خصائص التجربة الفردیة و الإنسانیة و الروحیة الشاملة، هذه الفردیة المنفصمة علی نفسها أصبحت الیوم تبدع الشعر بهذه الطریقة الفجة و المرهقة بنوامیس الوعی المباشر..
شکل التجربة الشعریة الهدامة إن شکل التجربة الشعریة الهدامة و موت الشعر فی ضحی الحداثة،یرجع بصورة أساسیة إلی التناقض الذی حصل بین وجود الکائن من ناحیة و الأشیاء المحیطة به فی العالم،و ذلک لأن وظیفة الکائن الجوهریة فی علاقته بالشیء فی ذاته،لم یعد لها نفس الوجود الموحد بینهما، و بالتالی مما غیر مجری التجربة الشمولیة التی کانا یعیشانها قبل زوال الأبدیة،إذ إنه و مع تغیر طبیعة الزمان و المکان و الظواهر الوجودیة و المادیة و الحسیة الأخری التی أحدثها العقل الحدیث بإدارة النظریات العلمیة الجدیدة، و النسبیة الریاضیة و الفیزیائیة:أی عندما حل عصر القیاس و التجزئة،و علی هذا النحو فإن الذی نجح عن کل ذلک تضخم فی الوعی وکثافة فی المعرفة أدت إلی استبعاد الذات العارفة نفسها من السیطرة علی تطور هذه الکثافة المعرفیة و جنوح الوعی باتجاه طرق المغامرة الصعبة، و بسبب ذلک کله فقد انحدرت التلقائیة و العفویة مکسورة الوجود من عرش الذاتیة المنسجم."