ملخص الجهاز:
"الملحنون اللفظ الرقیق الذی ینساب إلی المسع کانسیاب الماء فی الجدول، و نجد فی أبیات قیس بن الملوح و عمر بن أبی ربیعة و الأحوص و ذی الرمة و أبی صخر الهذلی و کثیر و أشعار الملحنین أنفسهم ابن سریج و معبد و الموصلیین نماذج تؤکد حسن اختیار الألفاظ الرقیقة المتناغم جرسها مع إصابتها المعنی الدقیق،مثل قول المجنون: لعمرک إن الحب یا أم مالک بقلبی-برانی الله منه-للاصق یضم علی اللیل أطراف حبکم کما ضم أطراف القمیص البنائق و ماذا عسی الواشعرن أن یتحدثوا سوی أن یقولوا إننی لک عاشق؟ و قد غنی متیم هذه الأبیات ولحنها من الثقیل الأول،و لا نکاد نقع فیها علی لفظ غریب او معنی غیر مألوف،و نلحظ عذوبة جرس الألفاظ و انسیابها و الرنین المنبعث من حرف القاف المضمومة فی الروی،کما نلحظ حسن الانتقال من القسم إلی التشبیه التمثیلی إلی تساؤل الواثق.
و انظر إلی هذه التائیات الرقیقة کیف تنساب و تطیع الألحان و تغزو الأسماع،فهذا کثیر عزة یقول: و إنی و تهیامی بعزة بعدما تخلیت عما بیننا و تخلت لکالمرتجی ظل الغمامة کلما تفیأ منها للمقیل اضمحلت و هذه الأبیات لأعرابی ظفر بها إسحق الموصلی و لحنها و غناها تقول: ألا قاتل الله الحمامة غدوة علی الغصن ماذا هیجت حین غنت تغنت بصوت أعجمی فهیجت من الشوق ما کانت ضلوعی أجنت فیا محیی الموتی أقدنی من التی بها نهلت نفسی سقاما و علت لقد بخلت حتی لو انی سألتها قذی العین من سافی التراب لضنت و لحن إسحق فی الأبیات ثقیل أول بالسبابة فی مجری الوسطی،و لا نحس ثقل إیقاعات البحر الطویل لعذوبة الألفاظ و براعة الاستهلال و الاستفهام المجتح و الشکوی الموجعة مع لطف المفارقة فی البیت الثانی،و النداء المستغیث فی البیت الثالث مع توالی النهل و العلل للسقام لا للمدام،و استعطاف المحبوب و الشکوی من صده فی البیت الرابع،و یضفی حرف التاء المکسورة فی الروی جمالا ورقة و جرسا عذبا و أنینا خافتا."