ملخص الجهاز:
"إلا أن علم النفس بعد جنوحه إلی طرائق استعارها من العلوم الطبیعیة یعود الیوم إلی حیث یلتقی مع الفلسفة بعد أن قطعت هذه الأخیرة شوطا باتجاه فهم العالم فیقتنع عدد کبیر ممن ظلوا أوفیاء لعلم النفس بأن الحیاة النفسیة تحتاج إلی الفهم و لیس إلی التفسیر کما فی عالم الطبیعة.
لهذا تبقی الفلسفة بحاجة لأن تتغذی من العلوم المختلفة،بخاصة منها العلوم الإنسانیة، و إلا فإنها ستحکم علی نفسها بالانغلاق و التشرنق مما یحد من نموها و قابلیتها للحیاة فی الوقت الذی لا تستطیع أن تتخلی عن تقلید تجذرت فیه عبر تاریخها.
و إن کان الأمر عکس ذلک فإن من یعتقد ذلک،یطلق علی نفسه-مجافاة للحقیقة-صفة الخالق، الذی یکون خلقه موجود عنده و لا شیء یلزمه البحث خارج إرادته،فأین للإنسان أن یصل إلی الربوبیة؟ تمیزت الفلسفة عن ضروب الفکر الإنسانی الأخری کونها لا تقبل أحادیة المعنی و لعل المرحلة القریبة السابقة کانت من أکثر المراحل صعوبة بالنسبة لها.
و إذا کان الناس مشغولین بأشیاء أخری،و أنهم یفضلون البحث فی کسب المال، أو تغییر وجه العالم بالتقنیة أو بالسیاسة، و أنهم یرون ذلک أفضل من البحث عما هو الوجود،أو عما إذا کانت المادة یمکن أن توجد بذاتها!؟فإن الفلسفة تشیر إلی أن شعور الإنسان لا یمکن أن یرتوی حقا و تماما بمجرد تناظم تقنیات العلم،أو بحسن تنظیم المجتمع..
و هذه المحرمات و الأفکار المسبقة قد تدفع إلی السقوط فی مهاوی المرض النفسی و العقلی حیث یرخی لجام المواربة العامة مما یتیح لنا أن نسمع من هؤلاء المرضی صوت الحقیقة،و قد تحصل-کما یزعم کارل یسبرز-کشوفات میتایزیقیة أخاذة فی المرحلة التی تبدأ فیها الاضطرابات العقلیة فی الظهور11."