ملخص الجهاز:
"ثمة عوامل تاریخیة و نفسیة قد ساعدت علی تغذیة هذا النزوع التمجیدی للتراث، فقد صاحبت حملة الاستغلال الأوروبی -التی شملت کافة أقطار العالم العربی فی العصر الحدیث-بشکل مباشر أو غیر مباشر،عنصریة أنانیة مقیتة،قد رکبها الزهو بما حققت من مکاسب مادیة ضخمة، و بما أدرکته من غلبة،فأنکرت علی الشعوب المغلوبة کل فضل،و ادعت لنفسها بالقول أو بالفعل،وضع الحجر الأساسی لبناء الحضارة الإنسانیة،و قد أسدلت علی ثقافتها القومیة و مفاهیمها المحلیة صفات الکونیة و المعاصرة و التقدم،و ذهب بعض الغلاة إلی تفسیر التفاوت بین الغالب و المغلوب،لا علی أساس عوامل اقتصادیة أو اجتماعیة أو سیاسیة،بل علی أساس تفاضل طبیعی فی العرق و العنصر،و إن هناک عقلا آریا و عقلا سامیا،و کأن هناک شعوبا عظیمة بالطبع و أخری حقیرة.
لا شیء،لأنه لیس لدینا موقف واضح صریح من کل هذه الأشیاء موقف یضمن لنا العزة،موقف یجعلنا بحق أبناء الحیاة،فما هو موقفنا من التراث؟ وجدنا أن هناک هویة بنی واقعنا المعاصر و بین تراثنا،و أحسب أن هذه الحالة استثنائیة، لأن التراث ما هو إلا منظومة من المعارف و التجارب و الخبرات لا تنخرق،هناک مواصلة أو تواصل دائم،لأن انقطاع هذه المنظومة معناه أن علی البشریة جمعاء أن تقف عند طور البدائیة و الوحشیة تماما کما هی الحال بالنسبة للحیوانات التی مهما تنقلت و تحولت فی بقاع الغابة،فإن کل بقعة هی اکتشاف جدید،سرعان ما یتحول إلی مجهول بحاجة إلی اکتشاف،فهی تبدأ دائما،إلا ما کان من شأن غریزتها،لا یمکنها أن تستفید من کل ما تخوضه من تجارب،لأنها لا تمتلک الذاکرة و الوعی."