ملخص الجهاز:
"و من أجل ذلک أثر عن العرب أنها ما کانت تغتبط لشیء مثل اغتباطها بشاعر یولد،أو خرس تنتج،و کانوا یقیمون له الأسواق،کما تقیم الدول المتمدینة المعارض الدولیة:لتبرز فیها أحسن ما صنعته أیدی الصناع فیها من کل ما یدل علی تقدمها و نبوغها،و صلاحیتها لأن تجاری رکب الحضارة و التقدم، و السیاسة و العمران،و کثیرا ما تتجلی لنا القضایا العلمیة،و المسائل العقلیة، فی لباس الوزن الموسیقی،و الجرس التوقیعی،و التفاعیل الخیلیة،فنتناقلها معجبین،و نتدارسها فرحین،ثم لا تلبث أن تدوی فی الخافقین،و تطیر من غیر جناحین،و إذا الألسنة ترددها،و الآذان تصغی إلیها،و لأمر ما کان الخلفاء یحتفلون بالشعراء یترضونهم،و یخطبون مودتهم،و یغدقون علیهم من العطاء،ما یطلق ألسنتهم بالثناء،و قد عرفنا ممن بلغ به الترف و النعمة، و السرء و السعة ما جعله أشبه بأصحاب الجاه و الملک،فی مأکله و مسکنه، و سمته و مظهره،و حدیث(؟)مع سیف الدولة،و افتراضه أوامره علیه، و تحکمه فیه،لیکون له قصر مثل قصره،فیه من العبید و الخدم،و الجواری و الإماء،و النمارق و البسط،ما یخیل للرائی أنه لا فرق بین الرجلین،و لا خلاف فی مظهر الشخصین،یؤید هذه النظریة إلی أبعد حدود التأیید،و إذا کان بعض الناس یتهمون الشعر بأنه من لهو الحیاة و فضولها،و عبث التفکیر و مجونه، و أنه لا یشتغل به،و لا یلتجیء إلیه،إلا أولئک الذین صرفهم الله عن الواجب، و لوی عنانهم عن الجادة الصحیحة،و المهیع المستقیم،لأنهم یفرقون فی الخیال، و یبعدون فی الوهم،و یعیشون فی أضغاث الأحلام،فإنهم یسرفون و لا ینصفون، و یتحاملون و لا یتجاملون،و یخبطون خبط العشواء فی اللیلة الظلماء."