ملخص الجهاز:
"و مع أن هذا البعد الاستراتیجی کان موجودا دائما فهو لم یدرس بما فیه الکفایة،و تبدو أهمیته الاستثنائیة فی الآونة الأخیرة لسببین جوهریین:السبب الأول أن سجل التنمیة فی الدول القطریة العربیة سجل لا یبعث علی التفاؤل أبدا،إن لم یکن سجلا لفشل متواصل:و السبب الثانی هو أن العصر الذی نعیش فیه لا و لن یترک مجالا واسعا للوحدات الصغیرة أن تصمم سیاساتها التنمویة و تنفذها بحریة و استقلال نسبی:و السبب الثالث هو أن موارد الأمة المادیة و البشریة مهددة أکثر من أی وقت مضی بالهدر و الضیاع،و لا تستطیع الدولة القطریة أن توفر لها الحمایة الکافیة أو الأمن بأشکاله المختلفة:الدفاعی و الغذائی و السیاسی...
الخاصیة الثالثة:و فیها تختلط القضایا السیاسیة المحلیة و القومیة و الاقلیمیة و الدولیة بعضها ببعض،بحیث لا یفهم النظام السیاسی للمجتمع المخترق(حتی علی المستوی المحلی)من دون الرجوع إلی القوة أو القوی الامبریالیة الخارجیة المهیمنة.
ثالثا:المشرق العربی:نظام اقتصادی-اجتماعی مخترق هذا عن الاختراق السیاسی فما شکل الاختراق الاقتصادی،أی درجة اندماج اقتصادات البلدان العربیة فی النظام الاقتصادی الرأسمالی العالمی قیاسا علی قطاع الاستیراد و التصدیر أو التجارة العالمیة؟ هنا تبرز حقیقة تاریخیة بالغة الخطورة،و هی أن بلدان المشرق العربی و الجزیرة قد دخلت مرحلة المجتمع الجماهیری (Mass Society) لیس عن طریق التصنیع(کما فی التجربة الأوروبیة)، أی عن طریق الانتاج الجماهیری(بالجملة)و ما تبع ذلک من ظواهر اجتماعیة،و إنما عن طریق تأثیر السیاسات الاستعماریة أو مداخیل النفط الریعیة.
ولکن بلدان المشرق العربی معنیة بهذه الظاهرة أکثر من غیرها،لأن نسبة لا بأس بها من الأموال المتوافرة للإقراض،و بالتالی لتغذیة هذه الآلة المالیة المتحرکة،تأتی من الدولارات النفطیة، و هو دخل النفط الذی یحول من البلدان النفطیة إلی دول المرکز الامبریالی علی شکل و دائع و استثمارات."