ملخص الجهاز:
"فالدعوة إلی تحجیم القطاع العام،بل و بیعه للأفراد،و إفساح المجال للقطاع الخاص فی الوطن العربی،أو«الخاصخصة»،و إن أثارها البعض من منطلق تحسین الکفاءة الاقتصادیة أو غیره،هذه الدعوی تستهدف،نهایة،تحویر التشکیلة الاجتماعیة بغرض الحد من ملکیة الدولة، و إدارتها المباشرة،لقوی الإنتاج،و من ثم،إضعاف الوظیفة الاجتماعیة للدولة فی حمایة جمهرة الناس،و التمهید لنمط نمو رأسمالی مزعوم،و تعمیق التبعیة للغرب الرأسمالی.
و لنا فی التجربة المصریة دلیل قوی علی ما سبق،رغم کل ما قامت به الحکومة لتشجیع رأس المال الخاص منذ منتصف السبعینات،بما یمکن معه القول إن القطاع الخاص،شاملا رأس المال العربی و الأجنبی،قد دلل لأبعد مدی متصور،بالتأکید بالمقارنة بالقطاع العام،و ربما إلی حد الإفساد.
إن تمثل جوهر الرأسمالیة،و الخبرة التاریخیة للتطور الرأسمالی فی الغرب الرأسمالی و فی العالم الثالث علی وجه الخصوص،و لطبیعة الدور الذی یمکن أن یقوم به رأس المال الخاص فی مجتمعات العالم الثالث فی نهایات القرن العشرین،و خبرة مصر تحدیدا فی العقدین الماضیین،کل هذا یدعونا إلی الحکم أن محاولة فرض نمط نمو رأسمالی علی الأقطار العربیة،من مدخل إطلاق الحریات لرأس المال الخاص و لقوی السوق،و هو ما تعنیه الخاصخصة نهایة،لا یمکن أن یترتب علیها إلا إفقار متزاید لجمهرة العرب،و زیادة فوارق الثروة و الدخل فی المجتمعات العربیة،و تأصیل الفساد و الطفیلیة،و تعمیق التبعیة لرأس المال العالمی.
فرغم فقر معلوماتنا،یبدو أن العراق قد تفرد علی صعید الوطن العربی،و ربما العالم الثالث،بأوسع حملة للخاصخصة،تم فیها«تفویت»عدید من مشروعات القطاع العام إلی فئة رأسمالیة،و لا أقول بورجوازیة عمدا،تم خلقها فی غضون أسابیع، بقرار فوقی،و بأثمان بخسة،و أطلقت یدها فی العمال و الأسعار،و أضحی لها انعکاسات واضحة السوء علی الاقتصاد و المجتمع،و قد تکون آثارها المستقبلیة أفدح."