ملخص الجهاز:
"لهذا کان لا بد لإنماء قوی العلم بالاختصاص بمزایا التعاون من سلامة سنته الناجحة وقوانینه النافعة ، وإنما تکون سلامتها بالمسیطر علیها ، وهو الحکومة ، فالحکومة بهذه المثابة مربیة الشعوب ، فإذا ربت شعبا علی مبادئ احترام القوانین الاجتماعیة نشأ کل فرد من أفراده علی معرفة الواجب والعلم بما له وعلیه ، وهذا غایة ما یطلب من أسباب الترقی للمتجمعات البشریة ، والعکس بالعکس ، ولا یحتاج إثبات هذه القضیة لأکثر من النظر إلی حکومات المغرب المتمدنة التی احترمت عندها قوانین الاجتماع ، فأنمت فی شعوبها قوة الإحساس والشعور بمزایا التعاون والاختصاص ، فعرفوا طرق الواجب التی تؤدی إلی خیر المجتمعات فسلکوها غیر متلکئین ، وأدرکوا من الحضارة شأوا أعجز الأولین .
إذن فلا تفاوت فی الوجهة بین سائر حکومات المشرق فی سوء التدبیر الذی انتهی إلی ما أصبحنا فیه معاشر الشرقیین عموما والمسلمین خصوصا من الفوضی فی الأعمال والتباین فی المقاصد والضعف فی النفوس والانحلال فی العزائم والفتور فی الهمم ، وغیر ذلک من بواعث التقهقر الذی مزق الأحشاء ، وأدمی القلوب ، وأودی بحیاة الأمة ، وقضی علی الشرق قضاء لا مرد له إلا بتنبه حکوماته من سنة الغرور وإطراحهم لعجرفة الأیام الغابرة ، والعمل مع الشعوب بما یدفع هذه الرزایا ، ویصرف هذه المحن ، وإلا فتالله إن تلک الحکومات لمسؤولة أمام الله وإمام الإنسانیة وأمام العدل عن تلک الحرمات المهتوکة ، والدماء المسفوکة ، والربوع المستباحة لسلب السالبین ونهب الناهبین ، والممالک الممزقة ، والشعوب المفرقة ، وما لا یعلم بنهایته إلا الله ، والله بکل شیء علیم اهـ ."