"نقص علی قراء الأنیس حکایة جدیرة بالذکر ، تدل علی محبة الأوروبیین للعلم وحفاوتهم بالشعر خاصة ، ذلک أن غلاما فقیرا جدا فی لندن کان یشتغل بأحد معامل الغراء ، وهو لا یتجاوز الخامسة عشرة من عمره ، فاتفق مرة لبعض رؤسائه أنهم وجدوه متعلقا علی نظم الشعر فراقبوه وقرءوا شعره فوجدوا فیه من الآراء الحسنة والمعانی الغریبة ما یدل علی أن الفتی شاعر مطبوع ، وأنه یبشر بمستقبل حسن ، فأشاعوا أمره بین الناس ، ونشرت جریدة لندن شیئا من شعره فی ذلک العهد ، فأعجب به رجال الشعر هناک فجاءته المساعدة من کل ناحیة حتی نقلوه من تلک الصناعة الحقیرة ووضعوه فی مدرسة یتعلم بها علم النحو وسواه لیکون شعره سلیما من الخطأ ، فأخذ الفتی یتعلم ویتهذب مدة السنتین وهو یزداد شاعریة وذکاء حتی تضایق أبوه الفقیر من مکث ابنه کل هذه المدة دون أن ینتفع منه بشیء ، فجاء إلی المدرسة وألح جدا بإخراج ابنه منها وإرجاعه إلی معمل یکتسب منه ، فعارضه الرئیس فی ذلک أشد المعارضة ، ونشر حکایة هذا الغلام علی الجرائد ، وقال : إنه إذا خرج من المدرسة واحترف الحرف الیدویة فإن دولة إنکلترا ، بل کل العالم الإنکلیزی یخسرون أعظم شاعر للمستقبل یعظم به شرف المملکة ، ویزداد فخرها ، ثم قال : إن مائة جنیه فقط تعطی لوالد هذا الغلام تکون کافیة لافتداء الشعر والحرص علی مجد إنکلترا ."