ملخص الجهاز:
"علی أن المغرب تتمتع فی ظل بنی مرین بحرکة علمیة مزدهرة و لعل بنی مرین أرادوا أن یجعلوا من رعایتهم للعلم و تقدیرهم للعلماء إضفاء حالة من التبیجل لدولتهم مستمدة من محراب العلم إذ أن دولتهم لم تقم علی أی أسس عقائدیة مذهبیة کالتی رأیناها فی دولة المرابطین و الموحدین بل هی دولة عسکریة فرضت وجودها بحد السیف،لذا أراد سلاطینها أن یجعلوا من مدینة فاس منارة علمیة مشرقة فی المغرب بالإضافة إلی شهرتها السیاسیة و الاقتصادیة علی أن المدارس التی أقامها بنو مرین فی المغرب الأقصی تمیزت عن المدارس التی قامت فی العصور السابقة لها و المعاصرة لها فی المغرب منذ أول نشأتها بوجود أقسام داخلیة ملحق بها لأقامة الطلبة،لذا توافد طلاب العلم من کل حدب و صوب من أنحاء المغرب من الحواضر و البوادی علی مدارس فاس،و کانت مبانی الأقسام الداخلیة تقع داخل المدرسة و هی عبارة عن حجرات صغیرة قد یبلغ عددها مائة حجرة و کان یشغل کل واحد منها طالب أو أکثر وفق ظروف الإقبال علی هذه المدرسة أم تلک و یذکر لبون الإفریقی تلک المدارس بقوله:«کان کل طالب یزود بالطعام و اللباس لمدة سبع سنوات من میزانیة الاوقاف الخیریة» و لا شک أن تلک الأوقاف کانت تمثل إحدی موارد تلک المدارس بالإضافة إلی النفقات التی تصرفها الدولة علی تلک المدارس،و لکن یبدو أن الطلبة أحیانا و الفقراء منهم خاصة کانوا یجدون لأنفسهم موردا إضافیا عن طریق اشتراکهم فی إقامة المآتم أو إعطاء الدروس الخاصة مقابل أجر محدود،و لا یعنی ذلک بأی حال من الأحوال أن سوء أحوالهم قد وقف حجرة عثرة فی طریق تعلیمهم لأن الدولة تکلفلت بجمیع ضروریاتهم المعیشیة."