ملخص الجهاز:
"قال کسری:بماذا?قال النعمان:بعزها و منعتها،و حسن وجوهها،و بأسها و سخائها و حکمة ألسنتها،و شدة عقولها،و أنفتها و وفائها: فأما عزها و منعتها:فانها لم تزل مجاورة لآبائک الذین دوخوا البلاد،و وطدوا الملک، و قادوا الجند،لم یطمع فیهم طامع،و لم ینلهم نائل،حصونهم ظهور خیلهم،و مهادهم الأرض، و سقوفهم السماء،و جنتهم السیوف،و عدتهم الصبر،إذ غیرها من الأمم إنما عزها الحجارة و الطین،و جزائر البحار؛ و أما حسن وجوهها و ألوانها:فقد یعرف فضلهم فی ذلک علی غیرهم،من الهند المنحرفة، و الصین المنحفة،و الترک المشوهة،و الروم المقشرة؛ و أما أنسابها و أحسابها:فلیست أمة من الأمم إلا و قد جهلت آباءها و أصولها،حتی إن أحدهم لیسأل عمن وراء أبیه دنیا،فلا ینسبه و لا یعرفه،و لیس أحد من العرب إلا یسمی آباءه أبا فابا؛أحاطوا بذلک أحسابهم،و حفظوا به أنسابهم،فلا یدخل رجل فی غیر قومه، و لا ینتسب الی غیر نسبه،و لا یدعی الی غیر أبیه؛ و أما سخاؤها:فإن أدناهم رجلا الذی تکون عنده البکرة و الناب علیها بلاغه فی حموله، و شبعه وریه،فیطرقه الطارق الذی یکتفی بالفلذة،و یجتزیء بالشربة،فیعقرها له،و یرضی أن یخرج عن دنیاه کلها فیما یکسبه حسن الأحدوثة،و طیب الذکر؛ و أما حکمة ألسنتهم:فإن الله تعالی أعطاهم فی أشعارهم،و رونق کلامهم و حسنه،و وزنه و قوافیه،مع معرفتهم بالأشیاء و ضربهم للأمثال،و إبلاغهم فی الصفات ما لیس لشیء من ألسنة الأجناس؛ثم خیلهم أفضل الخیل،و نساؤهم أعف النساء،و لباسهم أفضل اللباس، و معادنهم الذهب و الفضة،و حجارة جبالهم الجزع؛و مطایاهم التی لا یبلغ علی مثلها سفن، و لا یقطع بمثلها بلد قفر؛ و أما دینها و شریعتها:فانهم متمسکون به،و إن لهم أشهرا حراما،و بلدا محرما،و بیتا محجوجا،ینسکون فیه مناسکهم،و یذبحون فیه ذبائحهم،فیلقی الرجل قاتل أبیه أو أخیه، و هو قادر علی أخذ ثأره،و إدراک رغمه منه،فیحجزه کرمه،و یمنعه دینه عن تناوله بأذی!"