ملخص الجهاز:
"(1) ما دام موضوعنا یدور علی المسیحیین العرب و المستقبل،لا بد بادیء ذی بدء من محاولة لاستقراء ذلک المستقبل الذی یتجه إلیه عالم الیوم و الذی یبدو أنه سیلف شعوب الأرض جمعاء، و منها شعوب هذه المنطقة،علی إختلاف أوضاعهم و إنتماءاتهم.
و قد أفاد العرب من هذا التراث منذ اتصالهم بالمغرب فی نهضتهم الحدیثة،و کان لما أخذوه و أفادوا منه سند لهم فی إذکاء شعلة الحریة فی نفوسهم و فی تحرکاتهم الاستقلالیة للتخلص من الحکم الغربی،و فی محاولاتهم لبناء قومیتهم علی أسس حضاریة و مصلحیة و مصیریة مشترکة،و فی التطلع إلی تحقیق العدالة الاجتماعیة و الاقتصادیة فی صفوفهم،و فی اکتساب أسالیب العلم الحدیث و تطبیقه،و حتی فی إحیاء التراث العربی ذاته.
و هنا أیضا یهمنی أن أؤکد أن التحرریة و التقدمیة لا تقتصران علی نضال واحد،و هو التحرر من الاستعمار التالد و الطارف و من طغیان الطبقات و الفئات المستبدة-مع ما لهذا النضال من ضرورة و أهمیة-و إنما تتعدیانه إلی نضال الذات للتخلص من شوائب الماضی الموروث أو الحاضر المقتبس،و لتغلیب العقلانیة علی الوهم و العلم علی الجهل و العطاء علی الاستغلال و المصلحة الکبری علی المصالح الصغری،و لرفع معانی الکرامة الانسانیة و قیمة الوطن و الانسان إلی أعلی مراتب الادراک و الاهتمام و العمل.
شأننا فی هذا شأن الانسانیة جمعاء،و شأن المجتمعات المدعوة«متقدمة»بخاصة، فإن المفکرین من أبناء هذه المجتمعات أخذوا ینبهون إلی مخاطر هذا«التقدم»،و یرفعون الصوت متکررا و عالیا منذرین بالعواقب الوخیمة التی ستجر إلیها تطورات الحضارة الحدیثة-فی میادین التسلح و التصارع،و استنزاف الموارد الطبیعیة،و إفساد البیئة،و التکالب علی الاستهلاک،و انتشار الجرمیة،و تسلط القوی الحاکمة،وتقلص مجالات الحریة،و تردی القیم الخلقیة."