ملخص الجهاز:
"و لعل الذی یجعل للحضارة هذا البعد الواسع أنها محصلة الثقافة لمجتمع کبیر نسبیا علی أن تستمر هذه الثقافة مدة طویلة من الزمن،إضافة إلی أن للحضارة غالبا مرکبا تستمد منه رؤها و توجهاتها، هذا المرکب یتمثل بالدین کما یری الفیلسوف الألمانی(کیسرلنج)،و هو ما ألح علیه المفکر الإسلامی المعروف مالک بن نبی فی کثیر من کتبه، حیث رأی أن مکونات الحضارة من إنسان و تراب و وقت لا یمکن أن تعمل عملها دون صاهر أو مرکب یواثم بین روحها أو جزئیاتها أو توظیفها فی أحسن الأحوال15.
خصائص الثقافة اتضح لنا سبق أن للثقافة سماتها التی تمیزها عن الحضارة و المدنیة،و إن کان هناک بعض التداخل بین هذه السمات،و لکننا لا نعدم ملامح الثقافة فی السمات الآتیة: 1-الثقافة إنسانیة:بمعنی أنها من اکتشاف الإنسان و فعالیاته،ثم إنها-بناء علی ذلک-اجتماعیة تعبر عن عادات المجتمع و تقالیده،و لیست ممثلة لسمات الأفراد بعیدا عن علائقهم الاجتماعیة20.
یلاحظ أننا نستعمل مصطلحات شتی ندل بها علی التغریب؛لأنها مما شاع فی الحیاة الثقافیة،فقد استعمل الاغتراب الثقافی محل التغریب فی بعض الأحیان،مع الفارق الذی لا حظت بین المصطلحین، و لکن الدلالة علی الانتقال إلی الآخر ملحوظة فی هذا المجال،و قد نستعمل مصطلحات أخری مثل الصراع الثقافی أو التناضح الثقافی،أو الإلحاق الثقافی،أو الاختراق الثقافی،أو الاستلاب الثقافی، أو مصطلحات أخری مثل التحدیث و المسخ و التفسیخ و الذهان،إلی غیر ذلک من المصطلحات الکثیرة،مما یدل علی عمق هذه الظاهرة فی حیاتنا الثقافیة المعاصرة؛فهی واقع یومی مشاهد فی الحیاة المادیة،و الاجتماعیة و النفسیة و الثقافیة و الحضاریة بکل ما تعنیه الحضارة من سعة و شمولیة،کما ألمحنا فی الصفحات السابقة."