ملخص الجهاز:
"و من هنا نتساءل عن الأسباب الحقیقیة التی أدت إلی تقبل مجتمعات المغرب الأوسط للآراء الفقهیةالمالکیة:هل لأن طبائع أهله البدویة تتلاءم مع أسس مذهب أهل الحجاز الذی نشأ فی بیئة تقلیدیة قریبة من طبائع سکان المغرب کما زعم ابن خلدون؟أو هو نتیجة إرادة للسلطة السیاسیة و المجموعات الاجتماعیة الفاعلة؟أو أنه راجع إلی مجهودات حملة أفکار المذهب،و علی رأسهم من انتموا إلی الجیل الأول؟ هذه التساؤلات تقودنا للحدیث عن الطبیعة السوسیولوجیة للمجتمعات القبلیة ببلاد المغرب، و تتبع ظاهرة نشأة الجماعات الدینیة و أفولها، السنیة منها و الخارجیة،للوصول فی الأخیر إلی دراسة کیفیة تحول مجموعة اجتماعیة ذات صبغة فقهیة من أقلیتها إلی غالبیة عظمی فی المجتمع.
و جعلت من إفریقیة مرکز ثقل الوجود الإسلامی بالمنطقة،فی حین بقیت بلاد البربر التی ستعرف ثلاثة قرون من بعد ذلک باسم المغربین الأوسط و الأقصی-تعیش علی غایة النصف الأول من القرن الثانی الهجری،أین وصلت إلیها الأفکار السیاسیة الثوریة الخارجیة، لاتی وجدت فی المجتمعات القبلیة الریفیة المناخ المناسب لتکوین حرکة معادیة لنظام الخلافة الأمویة القائم علی أساس أفضلیة العنصر العربی(1).
و بعد صراع مسلح تمکن من تکوین نظام سیاسی إسماعیلی-نصب علی رأسه عبد الله المهدی-الذی حکم بلاد المغرب إلی غایة سنة 362 هـ/973 م،عندما قرر المعز لدین الله- رابع الخلفاء-الرحیل و الاستقرار بمصر،و کان هذا بسبب رفض المجتمعات القبلیة الریفیة و المجتمع الحضری بإفریقیة فکرة التشیع(19).
بعد الانتشار فی شمال المغرب الأوسط واصلت المالکیة اکتساحها لمعاقل جماعات الإباضیة، حیث نجحت تدریجیا فی ضم الکثیر من القبائل الإباضیة إلی صفوفها فی بلاد الزاب و قسطیلیة و وارجلان،و خیر دلیل علی ذلک اعتناق سکان مدینة الحامة ببلاد الجرید جماعیا المذهب المالکی،بعد ما کانوا إباضیة نکاریة(36)."